إضاءات تدبریة

هل النبي والأئمة يخلقون ويرزقون؟

يقول بعض الناس: إن النبي صلى الله عليه وآله وكذلك الائمة المعصومين، عليهم السلام، يخلقون ويرزقون، هل هذا الكلام صحيح أم هو نوع من الغلوّ المنهي عنه؟ وهل القول إن الله أعطى أهل البيت القدرة على الخلق والرزق غلو؟

نقول في الجواب:

1- عقيدتنا الصحيحة هي أن الله  ــ تعالى ــ هو الرازق الحقيقي، وهو الخالق الحقيقي، لا رازق ولا خالق بالمعنى الحقيقي غيره.

2- ونعتقد أيضاً بأنَّ الله  ــ تعالى ــ يعطي قدرة الخلق والرزق – إذا شاء – لغيره من المخلوقين. فبعض الملائكة يميت (مثل عزرائيل) ولكن (بمشيئة الله)، قال ــ تعالى ــ:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}. (سورة السجدة، آية:11). وبعضهم يُنزل المطر (بمشيئة الله) وبعضهم يخلق الأجنّة في أرحام الأمهات (ولكن بمشيئة الله وأمره).

فالخالق الحقيقي هو الله، وهو قد يعطي هذه القدرة لغيره لحكمة بالغة، دون أن يكون المخلوق مستقلا في هذه المهمة.

وفي القران الكريم نقرأ عن النبي عيسى عليه السلام: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}. (سورة آل عمران – الآية 49) فهو يخلق ويحيي باذن الله.

القول بأن الله تعالى أعطى قدرة (الخلق) او (الرزق) للنبي الأعظم ولأهل بيته ولأوليائه الصالحين ليس غلواً، لأنّ من يقول ذلك لا يزعم بأنهم يخلقون ويرزقون بشكل مستقل وبعيداً عن ارادة الله

3- في القرآن الكريم نقرأ في آيتين: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ}  و{أَتَدۡعُونَ بَعۡلٗا وَتَذَرُونَ أَحۡسَنَ ٱلۡخَٰالِقِينَ}  فكلمة (الخالقين) جمع، والله يصف نفسه بأنه (أحسن الخالقين) إذن، فهناك من يخلق غير الله ولكن بقدرة الله وليس بشكل مستقل.

نفس الكلام يجري في الرزق، فالله يصف نفسه في آيات خمس بأنه: {خَيرُ الرَّازِقِينَ}  فهناك من يرزق غير الله، ولكن بارادة الله وعطائه وحكمته وهبته وليس بشكل مستقل.

فالقول بأن الله تعالى أعطى قدرة (الخلق) او (الرزق) للنبي الأعظم ولأهل بيته ولأوليائه الصالحين ليس غلواً، لأنّ من يقول ذلك لا يزعم بأنهم يخلقون ويرزقون بشكل مستقل وبعيداً عن ارادة الله، بل هم عباد مكرمون تفضل الله عليهم بلطفه وحكمته بهذه القدرة وإذا شاء سلبها منهم.

4- لنقرأ بعض أحاديث أهل البيت، عليهم السلام، (وهي كثيرة جداً) في هذا المجال والتي تعطي الرؤية الواضحة في مثل هذه الأمور:

– روي عن الامام الصادق عليه السلام في حديث: “اجْعَلُونَا عَبِيداً مَخْلُوقِينَ وَقُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ إِلَّا النُّبُوَّةَ”.

– وروي عن الامام الرضا عليه السلام أنه قال:  “إِنَّ مَنْ تَجَاوَزَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ الْسَلام الْعُبُودِيَّةَ فَهُوَ مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَمِنَ الضَّالِّينَ”.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: “لَا تَتَجَاوَزُوا بِنَا الْعُبُودِيَّةَ ثُمَّ قُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ وَلَنْ تَبْلُغُوا، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ كَغُلُوِّ النَّصَارَى فَإِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنَ الْغَالِينَ”.

– قال الامام الصادق عليه السلام: “اجْعَلُوا لَنَا رَبّاً نَئُوبُ إِلَيْهِ، وقُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ”.

فالغلوّ هو أن يزعم الانسان أنَّ النبي او الامام يخلق ويرزق بشكل مستقل من دون مشيئة الله – والعياذ بالله – وهذا ما لا يقول به أتباع اهل البيت من الشيعة الاثنا عشرية.

عن المؤلف

الشيخ صاحب الصادق

اترك تعليقا