إنها لصدمة، معرفة مدى سهولة حل المسألة الجنسية في النظام الاجتماعي بالإسلام، في وقت نشهد مدى الصخب والجدل حول هذه المسألة الفطرية والطبيعية وتحولها الى مشكلة وأزمة تهدد أمن واستقرار مجتمعات بأسرها، ثم تتحول بشكل غريب الى أداة طيعة بيد أرباب المال والسياسة.
أودع الله – تعالى ــ في نفس كل انسان أربع قوى كبرى هي: القوة العقلية الملكية، والقوة الغضبية السبعية، والقوة الشهوية البهيمية، القوة الوهمية الشيطانية. (جامع السعادات، ج1-ص51)، فالقوة الشهوية – كما سائر القوى ــ تُعد وسائل لديمومة الحياة، وليست هي الهدف والغاية، وحتى يتميز الانسان بهذه القوة عن الحيوان في شهوته نحو الأكل والجنس وحتى البقاء على قيد الحياة، فإن الضوابط والنُظم شُرّعت له ليعرف كيف يستخدم هذه القوة بما يحقق له السعادة في الحياة، وهو ما جاء به الإسلام من خلال القرآن الكريم وسيرة المعصومين، عليه السلام.
وصار واضحاً أن ميل الإنسان (الذكر) لممارسة الجنس مع الأنثى، ولسائر الشهوات ليس أمراً مذموماً في حد ذاته، إنما المشكلة تحصل في الانحراف عن تلكم النظم والقواعد المطابقة للفطرة والعقل، وهذا ما صرّح به رسول الله في جوابه على بعض الملتبس عليهم مسألة الإيمان فأرادوا ان يزهدوا في الحياة، فجاء الرد السريع منه، صلى الله عليه وآله: “ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم ولا يشمّون الطيب ولا يأتون النساء، أما إني آكل اللحم وأشم الطيب وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”.
نحن أمام استحقاق كبير وخطير لتحقيق الأمن الجنسي في بلادنا في ظل سباق محموم على النفوذ والتأثير في نفوس الشباب والمراهقين تحديداً، من خلال توضيح ما يجب فعله عند أول لحظة استشعار بالشهوة الجنسية
وبذلك فان النبي الأكرم وضعاً حلاً نهائياً للمسألة الجنسية عندما عدّها من ضروريات الحياة، بعد أو قومها بالأحكام والضوابط التي تحفظ للمرأة كرامتها وللرجل دينه، كما وضع حدّاً للفوضى الجنسية السائدة أيام الجاهلية، فأضحى الجنس متاحاً للجميع بفضل بفضل عقود الزواج، مع ترغيب وتشجيع كبيرين من النبي الأكرم، ومن بعده المعصومين، عليهم السلام، وأن الزواج مدعاة للغِنى، وليس الفقر، كما يتصور البعض، وأنه من علائم المؤمن الحقيقي بالله – تعالى ــ وأنه الرزاق دون غيره، فكانت المرأة العزباء تأتي الى النبي وهو جالس مع جمع من أصحابه، وتطلب منه رجلاً يتزوجها، هكذا بكل صراحة وسهولة، فيستجيب لها النبي، ويتوجه الى أصحابه؛ من يتزوج هذه المرأة، فيقوم احدهم، ولم يكن يملك شيئاً من المال، فقال له: هل تحسن قراءة القرآن الكريم، قال: بلى، قال: زوجتك على أن تعلمها قراءة القرآن الكريم.
والى فترة طويلة من الزمن، ربما الى عدة قرون، لم تكن المسألة الجنسية أزمة في المجتمع الإسلامي، نعم؛ الانحراف موجود، كما موجود في مسألة التملّك والإثراء، والتطاول على حقوق الآخرين، بيد أن الشاب او الشابة في العهود الأموية او العباسية، وما بعدها، لم يكن يواجهوا أزمة بعنوان: “الأزمة الجنسية”، أي انهم لم يكونوا يفتقرون للسبل الصحيحة التي يستجيبون فيها لهذه الشهوة الغريزية، كما هو اليوم.
هناك أسباب عديدة دفعت بالمجتمع للانطواء على نفسه، وإقامة حواجز عالية أمام الأبناء تفصلهم عن شهوة أودعها الله – تعالى ــ في نفوسهم، وربما يكون المد الاستعماري أوائل القرن الماضي، وما استشعره الناس، ومعهم قيادتهم الدينية (العلماء) بالخطر من نشر ثقافة التحلل من الالتزامات الدينية والترويج ما يثير الغرائز بشكل فوضوي، جعلت الشباب بشكل عام محظورٌ عليهم البوح بحاجاتهم الى الزواج تحت شعار “العيب”، وانتقلت القرار بشكل غريب الى أولياء الأمور، فهم من يقررون تزويج هذا الشاب او تلك الفتاة، بناءً على قناعات او حاجات او ظروف معينة، ربما لا تكون ذات علاقة بالشباب.
ومن المفارقات الغريبة حقاً؛ أننا نفرض حواجز عالية أما الأولاد، من سن المراهقة وحتى الشباب، عن أي شيء يتعلق بالجنس، -طبعاً كان هذا في الماضي وقبل دخول الانترنت- بينما نقرأ في القرآن الكريم تصريحاً واضحاً عن جانب من المسألة الجنسية، وفي آيات عدّة يذكّر بها الله –تعالى- الانسان بأن نشأته جاءت {مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى}، (سورة الواقعة، الآية:37)، وفي آية أخرى يوضح القرآن الصفة والكيفية: {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ}، (سورة الطارق، الآية:6)، ثم يبين الحكم إزائه بأن: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}، (سورة المرسلات، الآية:20)، ثم تكرر موقف الدين من هذه المادة المهينة (النجسة) في سورة السجدة ايضاً، ولكن!
أين نحن من هذه الثقافة القرآنية؟ وما هو رد الفعل إزاء سؤال أي شاب او شابة عن معنى “المنيّ” او “الماء المهين” الوارد في القرآن الكريم، وهو يقرأونه دائماً، لاسيما في أيام شهر رمضان المبارك؟
أحد الأصدقاء ذكر لي ذات مرة عتبه على إحدى الفضائيات الشيعية برنامجاً يجيب على استفتاءات المشاهدين، وكان منها سؤالاً عن الدورة الشهرية للنساء، فقال: سمعت من أسرة أبدت انزعاجها من طرح موضوع كهذا على الشاشة الصغيرة وامام افراد الأسرة! في حين إن افراد الأسرة هؤلاء يرون ويسمعون كل شيء عن الرجل والمرأة، ليس من الشاشة الصغيرة، وهي فضائية دينية، وإنما من الهاتف المحمول داخل الغرف المغلقة.
النبي الأكرم وضعاً حلاً نهائياً للمسألة الجنسية عندما عدّها من ضروريات الحياة، بعد أو قومها بالأحكام والضوابط التي تحفظ للمرأة كرامتها وللرجل دينهالنبي الأكرم وضعاً حلاً نهائياً للمسألة الجنسية عندما عدّها من ضروريات الحياة، بعد أو قومها بالأحكام والضوابط التي تحفظ للمرأة كرامتها وللرجل دينه
إن جميع الانحرافات الجنسية بدءاً؛ بالنظر والملامسة، والمحادثة، وحتى ارتكاب الممارسة الجنسية المحرمة، نعزوها الى الفقر الثقافي الشديد في هذا المجال، ومعرفة الشاب إن كونه يحمل الشهوة الجنسية ليس يعني أنه يحمل شيطاناً في داخله، وعليه أن يكبت مشاعره ويصمت أمام الوالدين حتى لا ينطق الشيطان على لسانه!
نحن أمام استحقاق كبير وخطير لتحقيق الأمن الجنسي في بلادنا في ظل سباق محموم على النفوذ والتأثير في نفوس الشباب والمراهقين تحديداً، من خلال توضيح ما يجب فعله عند أول لحظة استشعار بالشهوة الجنسية، وتعلّم أحكام الدين، لاسيما ما يتعلق بالنظر، ثم أحكام الطهارة، ثم التعرّف بكل أريحية بالدور المصيري لما يمتلكه هذا الشاب والشابة في تكوين الأسرة الناجحة، ما من شأنه بث روح الشعور بالمسؤولية واستشعار القيمة الإنسانية العالية، وأنهم ذو شأن كبير، عندها لن نقلل من حجم المخاوف القادمة من برامج الانترنت، ومن البرامج الحضورية الداعية الى التحلل والاباحية بدعوى الحرية، مما يشكل اليوم فرصة اقتصادية ذهبية لتسويق مختلف المنتجات والاثراء على حساب كرامة المرأة والفتاة ومصير الشاب، كما هي فرصة اليوم لتمييع مجتمع وأمة – كما هو الحاصل ــ لسهولة السيطرة عليهم سياسياً.