القراءة والكتابة فعلان إبداعيان ضروريان في حياة الإنسان، فالاثنان يوصلان الى الهدف المرجو منهما وهو التهذيب؛ تهذيب العقل والنفس والرؤى والأفكار والسلوك بشكل عام.
فالقارئ الذي يهمّ لقراءة كتاب فهو يختار الموضوع الذي يميل اليه بما يناسب أفكاره، فإضافة للمتعة التي يحصل عليها من خلال القراءة بانفتاح البصيرة والآفاق أمامه، فهناك أيضا هدف مهم يسعى للوصول اليه، هدف معرفي ديني، أو تربوي، أو لتعلّم ومعرفة جملة من الاختصاصات المهمة التي تهم الإنسان في حياته العامة.
ولأهمية القراءة للإنسان كان الأمر الأول من الله ــ جلّ وعَلا ــ للرسول الكريم، صلى الله عليه وآله وسلّم، في البعثة النبوية المباركة هو كلمة {اقرأ} وكأنها مفتاح لكل شيء، وهي الدعوة للمعرفة والقضاء على الجهل والظلام، وتنوير العقل البشري، وتكريم الإنسان بأنه كلما تأمل وتوغل في القراءة ارتفعت منزلته، وازداد وعيه بالحياة وبالكون، وبالمخلوقات التي تظهر قدرة وعظمة الخالق ــ عز وجل ــ بجعلها كائنة ضمن قوانين دقيقة لن تتزعزع فإن يد القدرة الالهية هي التي تمسك بها وبكل شيء في هذا الوجود اللامحدود، فما الذي يمكن للإنسان أن يقرأه؟
إن أول كتاب شامل هو القرآن الكريم المنزل على سيد الخلق و الذي يعتبر دستور الحياة فهو المنظّم لحياة الإنسان بكل جوانبها الدينية والعلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن نور هذا الكتاب الكريم تنبع العديد من الكتب في اختصاصات متنوعة.
ولطالما سعى الانسان العالِم والمفكر والأديب للإبحار في بطون الكتب النفيسة في عصور مضت ولحد الآن، آملا الحصول على المعلومة المفيدة، المغذية للعقل وللروح الوثابة لكل ما هو نافع في الحياتين الدنيا والآخرة.
لأهمية القراءة للإنسان كان الأمر الأول من الله ــ جلّ وعَلا ــ للرسول الكريم، صلى الله عليه وآله وسلّم، في البعثة النبوية المباركة هو كلمة {اقرأ}
فالإنسان إذن عندما يقرأ فمطلوب منه أن لا تكون قراءته مجردَ ترفٍ، أو سدّ فراغ أو قضاء للوقت، وإنما يجب أن تكون قراءته سبباً في تعليمه وتقويمه، وتهذيب سلوكه الحياتي، وتحسين تعامله مع الآخرين ابتغاء لمرضاة الله أولاً وأخيراً، ليكون بحق كما أراده الله إنسانا سوياً مستقيماً صالحا ونافعاً لنفسه وللآخرين، عليه أن يقرأ بتنوع، وأن يختار بدقة وعمق وبوعي كبير ما يجلب المنفعة له.
ولتجسيد دور الانسان الواعي ومهامه عليه أن يكون ساعيا ومثابراً بما يملك من وعي وثقافة وإيمان الى تغيير الواقع الذي يعيشه قدر المستطاع، وله طرق ووسائل عدة للتوجيه والإصلاح والتأثير في النفوس، ومن هذه الوسائل وسيلة الكتابة.
فمن القراءة يتعلم ليتهذب كي يكون حقا بمستوى المسؤولية فينقل ما تعلمه أو ما تأثر به الى عامة الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية، ومثلما لا يمكن أن يقرأ الإنسان دون أن يتهذب ويتطور كذلك لا يمكن للإنسان أن يكتب، أو يوجه الناس دون أن يكون واعياً وملتزماً و صادقاً ومؤثراً بشكل إيجابي، يثق المتلقي به وبما يطرح من رؤى وأفكار وقيم ومبادئ بإسلوب مدهش ومقنع ومغاير لما هو مألوف.
فالجدة في طريقة طرح الأفكار لها تأثير ووقع قوي على المتلقي، وإن قوة الكاتب تكمن في ما يحمل من القيم والأخلاق والخصال الحميدة والأسلوب المبتكر الجديد، والكاتب بهذا المستوى العالي يكون فارساً يقتحم ساحات النزال الفكري، فيصبح مواجهاً للأفكار الغربية التي لطالما سعت للهيمنة على عقول الشباب، وتسفيه تقاليدهم ومعتقداتهم، ومحاولة بث أفكار هدفها التحريف وتزييف الحقائق، وإعطاء الأفكار المستوردة صفة حضارية وثقافية شكلية لا روح فيها، وليس فيها ما يقوّم الإنسان كما أراد له الله تعالى ذلك.
لذلك نرى البعض من الناس تستهويهم الكتب التي تدور موضوعاتها في هذا المجال فينجرّ لها الكثير من الشباب غير المحصنين فكرياً وعَقدِيّاً اعتقادا منهم أنها مثال للتحضر والتقدم والتطور نحو حياة كريمة على الأرض، ولكنها في حقيقة الأمر ومن خلال التجارب فهي عكس ذلك كما أثبتها الزمن بانهيار الكثير منها، وقد ثبت فشلها في تحقيق السعادة والرفاهية للإنسان بل قيدته وسلبت إرادته وحريته التي وهبها الله له.
من القراءة يتعلم ليتهذب كي يكون حقا بمستوى المسؤولية فينقل ما تعلمه أو ما تأثر به الى عامة الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية
وفي كل الأحوال فإن الصراعات الفكرية في العالم ومنذ القدم ما زالت قائمة على هذه الأرض، ولكن لابد من القارئ أن يكون متحصناً بمبادئه، ويقرأ لكي يستفيد، فيفيد، وكذلك الكاتب أن يكون مثالاً ونبعاً صافياً لما يدوّن في كتاباته ليحقق الهدف المنشود في التأثير والإقناع والتغيير والإصلاح بصدق وإيمان عميقَين.