“نية المؤمن خير من عمله”
رسول الله، صلى الله عليه وآله
أن يُقال للشاب المتخرج من الجامعة: أنك طبيب، أو أنك محامي، او أنك مهندس، لهي مقولة تحمل معها كل دواعي الفخر والارتياح والثقة بالنفس، ثم استنشاق نفس عميق بعد حوالي ستة عشر عاماً من الدراسة – مع عدم احتساب السنوات الخمس في طلية الطب- وبذل الجهود المضنية من الصف الأول الابتدائي وحتى آخر سنة من الإعدادية المرهقة، ثم الجامعة، بما يعطي شعوراً لطيفاً بجني ثمار كل تلك الجهود والتضحيات، فهي فرحة له ولوالديه وافراد أسرته ممن ساعدوه للوصول الى هذه القمة.
الجميع يدّعي خدمة الناس بتخصصه العلمي، ثم يكون ذو شأن في المجتمع، الى جانب الطموح المادي الذي يخفيه الجميع –تقريباً- فلا أحد يتجرأ بالأعلان في الجامعة أني “اريد ان أكون طبيباً لأكون ثرياً -مثلاً- والسبب ربما يعود لحالة نفسية إيجابية مغروزة داخل الانسان تمنعه من التدنّي الى ما دون العلم والمعرفة، الامر الذي يستلزم تحديد النيّة الدقيقة خلال الدراسة الجامعية لما سيفعله بعد تخرجه، والى اين سيذهب بشهادته الجامعية؟
الأهداف القصيرة والاهداف البعيدة
صحيح أن من يبذل جهداً يحب ان يرى ويستشعر الراحة والرخاء كجزء من ثمار جهوده، ومن أسباب الراحة؛ رفاهية العيش، والغنى المالي، لاسيما في الوقت الحاضر حيث ينفق طلبة الجامعات أموالاً طائلة على بحوث التخرج في الطب والهندسة ومجالات عملية أخرى، وهذا من حق كل انسان، بل وإن الإسلام يحبذ على العمل والاثراء، ولا محدودية في هذا المجال مطلقاً، إنما في الأهداف البعيدة والكبيرة التي يجب ان تكون نصب أعيننا، فنحن حققنا رضى انفسنا وذواتنا فصرنا أطباء ومهندسين وعلماء أحياء واقتصاد ومحامون، ثم حققنا حلم الأب والأم، فلا ننسى رضى الله –تعالى- وما يريده منّا ونحن نعيش الى جانب الفقراء ومحدودي الدخل ومن يعيشون أزمات عديدة في حياتهم يحتاجون من يساعدهم على حلها.
هدفٌ سامٍ من الأهداف الكبيرة لطلبتنا الأعزاء، وهم بناة الحاضر صنّاع المستقبل؛ إسهامهم المباشر في تكريس ثقافة التكافل والتضامن بين افراد المجتمع، وبث الحياة باستمرار في القيم الأخلاقية من خلال تعاملهم مع المريض او صاحب البناء
ففي مجتمع مثل المجتمع العراقي –واي مجتمع مسلم آخر- يتوقع الانسان أن يعيش في أجواء الايمان والقيم الفاضلة، وأنه اذا تعرض لعلّة في بدنه، او احتاج لعملية جراحية فإن الطبيب المتخرج من جامعة مدينته سيحنو عليه لأن أباه كان مثله انساناً عادياً وكاسباً في السوق، وربما يتحسس آلام الآخرين، وكذا الحال بالنسبة لمن يريد أن يشيد له بيتاً لائقاً لأسرته فانه يتوقع مساعدة المهندس الذي يوفر عليه المال في شراء المواد الانشائية وفي التصميم الهندسي، وبكلمة؛ يتوقع هؤلاء وغيرهم ان تحتكم بينهم الصدق والأمانة والوفاء بالعهد والعدل، ولو بدرجات معينة.
واذا نقرأ الروايات الشريفة من النبي الأكرم، وامير المؤمنين، والأئمة المعصومين في تأكيد التربية والتزكية قبل التعليم، وأن يكسب الانسان الاخلاق قبل العلم والمعرفة، فإن السبب في هذا –ربما من جملة أسباب- هو بقاء العالم –خريج الجامعة- قريباً من الناس، ومن البديهي فإن قضاء حوائج الناس تؤدي الى مرضاة الله –تعالى-، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال العمل مجاناً، وهو ما لا يرتضيه حتى الفقير، إنما المطلوب الانصاف، يقول أمير المؤمنين: “ألا إنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلا عزّا”.
وهدفٌ سامٍ آخر من الأهداف الكبيرة لطلبتنا الأعزاء، وهم بناة الحاضر صنّاع المستقبل؛ إسهامهم المباشر في تكريس ثقافة التكافل والتضامن بين افراد المجتمع، فهم الى جانب تجار المواد الغذائية والمواد المنزلية والألبسة، يبثون الحياة باستمرار في القيم الأخلاقية من خلال تعاملهم مع المريض او صاحب البناء، او صاحب القضية في المحاكم والدوائر الرسمية، ولعل مردّ هذا الى ما يكنّه الناس الى هذه الشريحة من احترام وتبجيل كونهم حملة مشعل العلم والمعرفة، فهم أدرى و أعلم بالأمور، وعلى صلة بالكتاب وبمصادر المعرفة، وبكلمة؛ ينظرون اليهم في الشارع على أنهم “مثقفين”، كما هو اعتداد طائفة كبيرة من الاكاديميين بأنفسهم، بما يؤكد مسؤوليتهم اكثر من غيرهم على المستوى المقبول من الثقافة والأخلاق والآداب في المجتمع.