نحن البشر ــ و ربما كل المخلوقات ــ جعل الله لنا معادلات من خلالها نتكامل ونتسامى، منها معادلة السعي، {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى}.
هذه المعادلة نعرفها في حياتنا، حتى لو دخلت مطعما وجاؤوا اليك بافضل الطعام والشراب، فأنت لابد ان تسعى وتأكل، وتأخذ الطعام، وتضعه في فمك، ومن دون السعي لا يتحقق أي شيء، وهناك مقدمات لذلك وهو الحركة نحو المطعم، والمال الذي تشتري به الطعام.
ولكن الكثير من الناس لا يعرفون ان معادلة السعي تحكم ايضا الجوانب الروحية والفكرية، هذه الجوانب تتحقق فيها هذه المعادلة، فمن سعى يحصل، ومن ابتغى يتفضل عليه الرب ــ تعالى ــ فرحمة الله من جهة، وسعي الانسان من جهة أخرى.
بعض الناس يزعم انه لو جلس لاستماع حديث عالِم، او قرأ كتابا، فإن ذلك يكفي للحصول على العلم، وكسب الايمان، وهذا توهم خاطئ، وهناك ايضا من يظن ان مجرد وقوفه في محراب الصلاة وتوجهه الى القبلة يكفي، بل لابد من ايجاد الخشوع، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، الصلاة فرصة للعروج الى الله: “الصلاة معراج المؤمن” و “الصلاة قربان كل تقي” و “الصلاة خيرموضوع” وهذا مما جاء في الروايات الشريفة.
المُصلّي قد يحقّق مجموعة من الواجبات المكلّف بها خلال الصلاة؛ من ركوع وسجود، لكن هل أدى في هذه الصلاة غايةَ التقرّب الى الله تعالى؟
“ولا يقبل من صلاة العبد إلا ما أقبل عليه منها بقلبه حتى أنه ربما قبل من صلاته ربعها أو ثلثها أو نصفها أو أقل من ذلك أو أكثر”.
المُصلّي قد يحقّق مجموعة من الواجبات المكلّف بها خلال الصلاة؛ من ركوع وسجود، لكن هل أدى في هذه الصلاة غايةَ التقرّب الى الله تعالى؟
يتحقق التقرب الى الله عبر الصلاة باستحضار معاني الالفاظ التي ينطقها المصلي، فمثلا حين يقول: “الله اكبر” فهو الباري أجلُّ من أن يوصف، وبعدها يتوجه المصلي بكل جوارحه وجوانحه هنالك يحقق الغرض من الصلاة.
اما من يدخل الصلاة وبعد ان يكبر ويقرأ بعض آيات سورة الفاتحة، سرعان ما تتداعى بعض الامور من هنا وهناك، وحينها لا تبقى الصلاة التي يريدها الله، فالصلاة ظاهرا صحيحة، لكن الفائدة التي يبتغيها المصلي ـ العروج الى الله والتقرّب منه ــ لا يكتسبها.
وفي كلمات الادعية إشارة واضحة الى أنه هناك ما يحول بين العبد وربه، فمثلا في دعاء أبي حمزة الثمالي هناك فقرة رائعة: “وأنك لا تحتجب عن خلقك إلا ان تحجبهم الاعمال دونك”، وفي دعاء كميل: “اللهم قوِّ على خدمتك جوارحي واشدد على العزيمة جوانحي وهب لي الجد في خشيتك والاتصال بخدمتك”.
الكثير من الناس لا يعرفون ان معادلة السعي تحكم ايضا الجوانب الروحية والفكرية
السعي الداخلي بين الانسان ونفسه هو حين يصلي، ويحاول السيطرة على نفسه، ولأجل ذلك سمّي المحراب محرابا، لأن المعركة مع النفس الامارة بالسوء، ومع الشيطان، ومع الوساوس التي يبعثها الخناس في كل لحظة، فكلما جدَّ الانسان في إبعاد الشيطان من جانب، جاء من جانب آخر، وإذا توصّل الشيطان الى طريق مسدود، يأتي من العمل نفسه، فمثلا يجعل الانسان يعجب بعمله، ولهذا يجب على المؤمن أن لا يدع أي ثغرة ينفذ منها الشيطان الى نفسه، سواء كانت تلك الثغرة عن طريق الذنوب المعاصي، او عن طريق الطاعات، التي يلجأ اليها الشيطان حينما يجد بقية الطرق مغلقة أمامه، فيأتي ليزيّن للإنسان عمله الجيد، سواء كانت صلاة، او اي طاعة أخرى.
____
(مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي دام ظله).