رأي

نصرنا العظيم ليس عسكرياً

“ولعل في اليمامة او الحجاز من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع”.

كان هذا مجرد توقع من أمير المؤمنين، عليه السلام، بوجود محتاجين للمساعدة بلغة الترجّي (لعل)، في مقطع من رسالته الشهيرة الى واليه على البصرة، ليعملنا الدرس الذي يتجسد اليوم بأكمل صورة في الحالة الإنسانية في لبنان وفلسطين المنكوبتَين بسبب جرائم الكيان الصهيوني وارتكابه المجازر المريعة بحق المدنيين.

 فقد تعرض الآلاف الى القتل والتشريد بفعل القصف الجوي الإسرائيلي المستمر، وفي نفس الوقت جاء الموقف السريع والتاريخي من مراجع الدِين، والمؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية في العراق تحديداً لإعلان تعبئة عامة لإغاثة المنكوبين والمصابين بشحنات مواد إغاثة مختلفة، وفي تطور لاحق؛ أعلن عن الترحيب الكامل لمن يصل من النازحين اللبنانيين الى الأراضي العراقية بتوفير مختلف أسباب العيش والاستقرار لحين ما تنجلي الغبرة وتعود المياه الى مجاريها.

هذا الموقف المسؤول يُعد مؤشراً لقوة من نوع خاص في الساحة لصالحنا تفوق في تأثيره القوى السياسية والعسكرية كونها تمثل القاعدة الجماهيرية التي تحوم حولها السياسة وتسعى دائماً لاكتساب الشرعية لقراراتها واعمالها.

بلى؛ القصف الجوي الإسرائيلي يتسبب بآلام ومعاناة كبيرة لا تُحد، لكن ما يجب الالتفات اليه أن العدو يقاتل اليوم ليس مثل أي وقت آخر طيلة فترة وجوده في الأراضي الفلسطينية منذ حوالي سبعين عاماً، فهو يقاتل، ليس فقط بأحدث التكنولوجيا العسكرية والأموال الطائلة، وإنما بكل ما لدى العالم من كراهية لهؤلاء القوم.

 فهو لم يعد مهتماً ما يقال عليه في العالم، بل ليتذكر الاوربيون مثالبهم وخياناتهم وموبقاتهم طيلة قرون من الزمن، لم يعد مهماً له كل هذا في الوقت الحاضر، وهذا تطور مهم لابد من استثماره في هذه المرحلة الحاسمة، فهم يريدون فرض ارادتهم وتحقيق شيء من  الانتصار من خلال السلاح فقط، بيد إن ما نمتلكه أكبر من هذا بكثير، وهي؛ قيم التكافل، والتعاون، والتراحم الذي يزيل عن وجوه ضحايا الحرب بعض –إن لم نقل كل- آثار الألم والمعاناة ليطمئنوا على حقانيتهم، وأنهم منتصرون وعائدون الى ديارهم ولو بعد حين، وهو ما نتعلمه من مدرسة الإمام الحسين، وأبرز درس فيه؛ انتصار الدم على السيف.

واذا نجحنا في إغاثة إخواننا في لبنان وفلسطين، فهذا يعني أننا ننجح في إغاثة سائر أبناء الأمة من شرق أفغانستان، وحتى السودان، واليمن وجميع البقاع الإسلامية، بل وكل مسلم في أي بقعة من الأرض بما يشكل رسالةً موحدة من مراجع الدِين في كربلاء المقدسة، والنجف الأشرف، وقم المقدسة، الى قادة العالم بأن يتحملوا مسؤوليتهم في الحفاظ على أمن واستقرار الشعوب، وعدم التفرج على مشاهد الموت والدمار مادامت مصالحهم الاقتصادية بعيدة عن النار، بل أجدها حجّة دامغة على سياسيي العالم بأن الشعوب لن تتحول الى ظالم وباغي لمواجهة الظلمة والطغاة، وتخسر قضيتها العادلة، مما يحملهم المسؤولية التاريخية والحضارية بالحفاظ على مصداقيتهم بأنهم بناة حضارة، ودعاة علم ومعرفة ورعاية لحقوق الانسان، وإلا فان أرواح الأطفال والنساء المستخرجين من تحت الأنقاض ستلاحقهم، وتكون أكثر إيلاماً ووجعاً من كل الصواريخ التي تسبب بإزهاق تلك الأرواح البريئة.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا