أدب

الشعر يتعطّرُ بذِكرِ النبيِّ الكريم

لا يخفى على أحد أن في مولد النبي، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حدثت معجزات كبيرة وذلك لأهمية الحدث وعظمة الشخصية الوليدة، ومن هذه المعجزات انكسار ايوان كسرى وانطفاء نار المجوسية، وسقوط الأصنام داخل الكعبة المشرّفة، وكذلك جفاف بحيرة ساوة وغيرها وهذه الحوادث لم تكن لتحدث إلا لأمر عظيم قد جرى وهي ولادة سيد الكائنات، وكيف لا وهو النور الذي خلقه الله سبحانه وتعالى قبل خلق الكون، وهو الذي سينقذ الانسان من عصر الظلمات وينقله الى عصر النور والحق، وينتشله من الرق والعبودية ويكرمه بالحرية والحياة الكريمة إنه سيد الرسل وخاتم الانبياء وسيد الأخلاق والمحبة.

ولطالما جذبت شخصية رسول الإنسانية قلوب العلماء و المفكرين والأدباء وأيضاً الشعراء الذين يحاولون ان يتألقوا بالشعر للتعبير عن اطهر مخلوقات الله عز وجل، وعن سموه وخلقه العظيم ودوره الكبير في انقاذ البشرية ونشره للقيم والمبادئ الاسلامية العظيمة.

 وفي نظرة تاريخية عن أهمية الشعر، كان النبي الكريم يشجع عليه لما فيه من حماس، وتأثير في نشر الرسالة الإسلامية بصفته الوسيلة الاعلامية السائدة في ذلك الوقت وما تلاه من حقب زمنية عديدة، وأيضا له أهمية توثيقية للأشخاص و للمواقف وللأحداث المهمة.

ومن أبرز الشعراء في عصر الرسول

الشاعر حسان بن ثابت

وهذه أبيات مختارة من أهم قصائده التي تعطرت بذكر الرسول، صلى الله عليه و آله، إذ يذكر فيها دور الرسول، وعظمة شخصيته، ومنزلته العالية بمقارنته بالأنبياء يقول:

محمد المبعوث للناس رحمة

 يشيد ما أوهى الضلال ويصلح

لأن سبحت صمُّ الجبال مجيبة

لداوود أو لان الحديد المصفح

فإن الصخور الصم لانت بكفه

وإن الحصى في كفه ليسبح

وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا

فمن كفه قد أصبح الماء يطفح

وإن كانت الريح الرخاء مطيعة

سليمان لا تألو تروح وتسرح

فإن الصبا كانت لنصر نبينا

ورعب على شهر به الخصم يكلح

وإن أوتي الملك العظيم وسخرت

له الجن تسعى في رضاه وتكدح

فإن مفاتيح الكنوز بأسرها

أتته فرد الزاهد المترجح

وإن كان إبراهيم أعطي خلة

وموسى بتكليم على الطور يمنح

فهذا حبيب بل خليل مكلم

وخصص بالرؤيا وبالحق أشرح

 شاعر آخر وهو صاحب قصيدة البردة الشاعر كعب بن زهير، إذ أهداه النبي الكريم، صلى الله عليه وآله، بردته بعد سماع القصيدة تثمينا وتشجيعا وتكريما له على ما ذكره من مديح :

بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ

مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ

وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا

إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ

ولا يَزالُ بِواديهِ أخُو ثِقَةٍ

مُطَرَّحَ البَزِّ والدَّرْسانِ مَأْكولُ

إنَّ الرَّسُولَ لَنورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ

مُهَنَّدٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ مَسْلُولُ

لا يَقَعُ الطَّعْنُ إلاَّ في نُحورِهِمُ

وما لَهُمْ عَنْ حِياضِ الموتِ تَهْليلُ

وتوالى العديد من الشعراء في أزمنة مختلفة على أن يعطروا قصائدهم بذكر النبي الذي أنتشل الجاهلية من الظلمات الى النور، فمنهم احمد شوقي ونزار قباني وبدر شاكر السياب وأسماء كثيرة من الشعراء الكبار ومن الشعراء الشباب أيضا ممن حصلوا على جوائز عديدة في هذا الموضوع.

 ومن الشعراء الكربلائيين الذين كتبوا وعطروا بعض قصائدهم بذكر النبي لمحبتهم وانتمائهم وإخلاصهم لشخصيته المباركة، هو المرحوم الشاعر اسماعيل الوائلي وقصيدته الطويلة (يا سيد الرسل الكرام ) والتي أبحر فيها الشاعر لتبيان الخصال العظيمة التي اتصف بها النبي، والتطرق الى الحياة المقيتة والجهل الذي كان سائدا آنذاك والتأكيد على الجهد الكبير للرسول الذي تحقق من خلاله التغييربعد المرور بحروب وصبر كبير وتحقيق الانتصار والفتح، يقول الشاعر رحمه الله في أبيات له :

من قبل آدم قد سطعتَ مشعشعاً

من فوق عرش النور أنت مُقامُ

 ثم انتقلت بكل صلب شامخ

شمخت بك الأصلاب والأرحامُ

 ولدتك آمنة الطهور بمكة

 فاخضرت البيـــداء والآجامُ

بهذا الاسلوب السهل الممتنع جسّد الشاعر اخضرار الصحاري والأماكن بقدوم النور ونزول الخير والبركات والرحمة الالهية للعالم، وهو يستمر في قصيدته ذاكرا ما مر به النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، من صعاب ومن حوادث ومواقف حتى فتح مكة وما بعدها:

في الفتح كنتَ الخير في أعلامه

والخير منك سجية ونظام

قلت أذهبوا فلأنتم الطلقاء في

يوم الفتوح بشارة وسلام

وجعلت من أعدى عداك أمانة

في بيته فتكاثر الإسلامُ

ويصف الشاعر عودة ضاحي التميمي عالَما جديدا حلّت فيه كل الخيرات والبركات بسبب ولادة النبي، صلى الله عليه واله، فهو الرسول الذي ملأ العوالم بالأنوار بشروق شمس الحق والحقيقة، وحلت القيم والمعاني السامية مكان الضلالة والجهالة، وقد عبّر الشاعر عن ذلك بمجازات ولغة شعرية متوهجة فيقول في قصيدته (ضوع الجنان):

والليل قد ترك الظلام وراءه

فرحا واطلق للحياة شهابا

حطت بصحراء الضمائر غيمة

كانت بدرب الظامئين عبابا

 ويستمر الشاعر بقوله :

الماء قد غمر الصحارى هاهنا

من بعد ما كنا نراه سرابا

ولد الدليل على مدارج فكرنا

نسبا يجلّي نوره الأنسابا

وسرى الوليد كما الكواكب بهجة

حتى استحال مكارما وثوابا

أما الشاعر كاظم جواد الحلفي رحمه الله تناول موضوع بهجة الموجودات في ولادة فخر الكائنات، صلى الله عليه واله وسلم، وشغف القلوب وهيامها، ففي أبيات من قصيدته (مولد الهدى) يقول الشاعر:

والصبح أشرق والطبيعة تزدهي

والأرض تضحك في نما وتورّدِ

في مولد الهادي البشير وخير من

 ولدته أمٌّ من سلالة أمجدِ

فخر العوالم والزمان به ازدهى

 من خير خلق ركّعٍ أو سُجّدِ

تهوي لذكراه النفوس شغوفة

وتهيم في نعمائه بتودّدِ

ويؤكد الشاعر االدكتور عبود جودي الحلي على ان كمال الكون تجسّد بوجود النبي المصطفى صلى الله عليه وآله، فهو نور الهداية وهو الشفيع لأمته يوم الورود، إذ يقول في قصيدته (كمال الكون سيدنا محمد):

كمال الكون أجمعه تجسّد

فكان المصطفى الهادي محمدْ

رسول الله مبعوث بهدي

دعا وهدى الى حق وأرشدْ

هو الفجر الذي قد لاح يزهو

يبشر أمة الإسلام بالغدْ

ويقول أيضا :

شفيع الناس يسقيهم بكأس

تروّي كل من لبّى ووحّدْ

إذا شئت الهداية فاغتنمها

تزوّد فالنجاة لمن تزوّدْ

تبقى الأمة تنظر للرسول محم،د صلى الله عليه وآله، بأنه الأمل الكبير؛ فبنوره تنعم البشرية بحياة كريمة، وهو الشفيع يوم القيامة، وتبقى أفكار وأقلام الشعراء تتوهج وتتعطّر بذكره المبارك حبّاً لشخصيته العظيمة التي غيّرت وجه العالم، ونشرت الاسلام، فارتفعت رايته خفاقة في الأعالي بنهجه القويم وبتأييد وتسديد من رب العالمين.

عن المؤلف

كفاح وتوت

اترك تعليقا