مناسبات

الإمام العسكري في مواجهة الطغاة

الولادة: ولد في المدينة في الثامن من ربيع الآخر سنة

الشهادة: استشهد يوم الجمعة الثامن من ربيع الأول سنة ٢٦٠ وعمره ٢٨

عاماً.

ألقابه: التقي، المرضي النقي، الرفيق الزكي، الصامت، الهادي، السراج

العسكري، الخالص.

كنيته: أبو محمد.

مدفنه: دُفن مع أبيه الهادي الي في سامراء.

واصل الإمام الحسن العسكري علي مهام الإمامة بعد والده الإمام الهادي ، وعاصر في فترة إمامته القصيرة (ست سنوات) حكومة ثلاثة حكام من العباسيين هم المعتز والمهتدي والمعتمد، وكانت المعاناة مع الدولة العباسية ما زالت شديدة؛ ففي غضون حكم المعتز قتل الكثير من الأبرياء وسجن من العلوين أكثر من سبعين شخصاً من آل جعفر وآل عقيل، وبعد المعتز تسلم المهتدي الخلافة، وسجن الإمام، بل وحتى اتخذ قراراً بقتله إلا أن الأجل لم يمهله فمات المهتدي.

وحدث علي بن جعفر عن الحلبي: اجتمعنا في العسكر وترصدنا لأبي محمد علي يوم ركوبه، فخرج توقيعه ألا لا يسلمن علي أحد، ولا يشير إلي بيده، ولا يومئ، فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم. (العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٠ ص ٢٦٩).

يقول أحمد بن محمد: كتبت إلى أبي محمد الإمام العسكري حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنا، فقد بلغني أنه يتهددك، ويقول: والله لأجلينهم عن جديد الأرض، فوقع أبو محمد بخطه وذلك أقصر لعمره، عد من يومك هذا خمسة أيام ويُقتل في اليوم السادس بعد هو ان واستخفاف يمر به، فكان كما قال لا. (الإرشاد، المفيد، ص:٣٢٤).

وبعد المهتدي تسلم المعتز زمام السلطة، وفي عهده استشهد الإمام العسكري وقتل معه مجموعة من العلويين، وتذكر بعض المصادر التاريخية أنه قد تم قتل بعضهم بأفجع صورة وحتى بعد القتل مثلوا بأجسادههم.

الإمام العسكري والتمهيد للإمام المهدي

إن المهمة المميزة في إمامته، عليه السلام، كانت التمهيد لولادة الإمام المهدي الله وغيبته الصغرى والكبرى، والارتباط الصحيح به وضرورة الانتقال بالشيعة من نقطة اتصال مباشرة بالمعصوم إلى نقطة اتصال غير مباشرة، وتعتبر هذه المرحلة من أدق المراحل على الفكر الشيعي منذ النبي محمد، صلى الله عليه وآله، إلى عهد الإمام العسكري، لذلك كان على الإمام أن يكثف أحاديثه وأن يقوم عملياً.

مدرسة الفقهاء

اتسم عصر الإمام العسكري، عليه السلام، ومن قبله عصر الإمامين الهادي والرضا باتساع رقعة التشيع، واتضاح معالم المدرسة الشيعية، ولذلك دعوا إلى اتباع مدرسة الفقهاء التي تميزت ما سواها بعدة أمور منها:

١- اعتماد الكتاب والسنة مصدراً للتشريع الإسلامي.

٢- الرجوع في تعلم الأحكام إلى المعصوم إن أمكن.

٣- الرجوع إلى الفقهاء الثقات حيث لا يمكن أو يتعسر الرجوع إلى الإمام المعصوم.

وقد أيد الإمام العسكري، عليه السلام، علي جملة من الكتب الفقهية والأصول في عصره أو قبل عصره، وقد أحصيت أسماء أصحاب الإمام ورواة حديثه فبلغوا ثلاثمائة واثني عشر شخصا، منهم:

  • أحمد بن إسحاق الأشعري القمي: وهو من الأصحاب المقربين للإمام، ويعد كبير القميين وكان يحمل مسائل أهل قم إليه .
  • أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري: وهو من أحفاد جعفر الطيار ومن أعظم رجال أهل بيته وكانت له منزلة رفيعة ومقام محمود عند الأئمة .
  • عبد الله بن جعفر الحميري: من أبرز رجال قم المقدسة، له كتاب: قرب الإسناد.
  • أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري: وهو النائب الأول للإمام القائم، وكان من

كبار وكلاء الإمام الهادي السلام والعسكري، عليه السلام.

اتسم عصر الإمام العسكري، عليه السلام، ومن قبله عصر الإمامين الهادي والرضا باتساع رقعة التشيع، واتضاح معالم المدرسة الشيعية

ويمكن حصر اهم مهام الإمام الحسن العسكري في تلك المرحلة الصعبة التي تتسم بالجور والتضييق على الحريات، بل واجمل كل صوت يدعو للحق وتغيب أصحابه في مطامير السجون التي تفنن الطغاة أبناءها وتعاهدها بالرعاية أكثر من رعاية مساكن الفقراء والمعوزين.

تركز اهتمام الإمام على عدة امور وسعى إلى ترسيخها في نفوس أنصاره من الشيعة:

اولا:التأكيد على الصبر وانتظار الفرج

إن انتظار فرج الإمام علي من العبادات، بل من أفضل الأعمال كما في الأحاديث المباركة، فإن أول ما يتوجب على الإنسان هو الصبر عند طول الغيبة، وما يؤكد على ذلك الرسالة التي أرسلها الإمام علي بن الحسين بن بابويه القمي، التي جاء فيها: “عليك بالصبر وانتظار الفرج”

روي عن النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: “أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج”. (مسند الامام العسكري ع ص:١٩، الشيخ عزيز الله العطاردي).

ثانيا: التحذير من الشك والضعف

فروي عنه، عليه السلام : “إن لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط

شوك القتاد بيده”. (ابن أبي زينب النعماني/ الغيبة ص:١٢٢).

ثالثا: التمهيد العملي للغيبة

من علي العسكري والمقصود بذلك أن الإمام عين وكلاء وسفراء من خاصة أصحابه لتبليغ تعليماته وأحكامه إلى شيعته، وذلك بأسلوب التوقيعات والمكاتبات، وهذا يعتبر تمهيدا عمليا لما سيحصل في زمن الغيبة الصغرى.

لقد قامت الحجج النيرة والبراهين العقلية، على أن الرسول لابد له من حلقة يجمع شمل الأمة اليها كي يمنع عنها انفراط عقدها عن الحق بعد اجتماعا عليه وهل يجمع شملها إلا ذلك القائم مقام الرسول الاعظم.

 کما دلّت البراهين على أن الخليفة لابد وان يتحلى بالصفات التي تؤهله لان يقوم مقام صاحب الرسالة لئلا يعجز عن إدارة شؤون الأمة، وعن دحض مزاعم أهل الأهواء الفاسدة والعقائد الباطلة، بالبراهين القاطعة والحجج الحقة فإن عجز عادت الامة شيعا وشعبا، ومللا ونحلاً.

 و كما دلت على أن يكون له من العلم، بمقدار ما يمكن أن يمتد إليه سلطانه، ويهيمن علیه نظام الشريعة، ولا يمكن أن يخيم العدل والإصلاح والأمن، وذلك النظام على الكرة الأرضية ما لم يكن لذلك القائم علم بما يحدث في هاتين البقاع والأصقاع.

ومن رسالة الإمام  إلى أحد من كبار علماء الشيعة في قم، الشيخ الجليل علي بن الحسين بن بابويه القمي وهو من أكبر فقهاء الشيعة، وهذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والجنة للموحدين، والنار للملحدين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا إله إلا الله أحسن الخالقين، والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرين.

أما بعد، أوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن علي بن الحسين القمي وفقك الله لمرضاته وجعل من صلبك أولادا صالحين برحمته بتقوى الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فإنه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة، وأوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم ومواساة الإخوان والسعي في حوائجهم في العسر واليسر والحلم عند الجهل والتفقه في الدين والتثبت في الأمور والتعاهد للقرآن وحسن الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 قال الله تعالى: {ولا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَجْوَتَهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ} واجتناب الفواحش كلها وعليك بصلاة الليل، ومن استخف بصلاة الليل فليس منا فاعمل بوصيتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتى يعملوا عليه.

 وعليك بالصبر وانتظار الفرج فإن النبي قال: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج، ولا تزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي أنه  يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً وهو الإمام القائم فاصبر يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن وأمر جميع شيعتي بالصبر فإن الأرض الله يورثها من عباده من يشاء والعاقبة للمتقين والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير”. (المحدث القمي، الأنوار البهية، ص ١٦١).

مميزات مدرسة أهل البيت

وهو فتح باب الاجتهاد هو ما نعبر عنه بالحرية الفكرية من اجل الوصول الى الحقيقة وهي من ميزات الثقافة التي تبناها أهل البيت عليهم السلام.

ولكن هذه الحرية مضبوطة ومقننة ضمن القواعد والأصول العلمية التي تتبع للوصول الى الحقيقة او تقرب الانسان منها، وهي قواعد يتم بحثها في علم الاصول والمنطق وهي مستنبطة من الكتاب الكريم بصورة قطعية، ويدركها العقل السليم بصورة واضحة وبينة.

إن المهمة المميزة في إمامته، عليه السلام، كانت التمهيد لولادة الإمام المهدي الله وغيبته الصغرى والكبرى، والارتباط الصحيح به وضرورة الانتقال بالشيعة من نقطة اتصال مباشرة بالمعصوم إلى نقطة اتصال غير مباشرة

استشهاد الإمام العسكري

قال أبو الأديان: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: امضِ بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوما وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.

 قال أبو الأديان فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي. فقلت: زدني، فقال: من يصلي علي فهو القائم بعدي.

فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي. ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان.

و خرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سُر من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنئونه فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة.

 تقدم جعفر ليصلي على أخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج فجذب برداء جعفر بن علي وقال: “تأخر يا عم أنا أحق بالصلاة على أبي فتأخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر. فتقدم الصبي وصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه، ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بينتان.

هذا شذرات من هذا الإمام الصابر الذي عاصر الحكام الطغاة من بني العباس وكيف كانت التقية على أعلى مراحلها حتى لا يأمن من يرد أو يسلم على الإمام، فهل نفعت الطغاة أساليبهم بل هل اتعظوا من عاقبة غيرهم التاريخ يجيب هيهات هيهات، لكل عصر طاغية وظالم حتى يرث الأرض ومن عليها عبادة الصالحون.

فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

عن المؤلف

كريم الموسوي

اترك تعليقا