مكارم الأخلاق

ضع حجرةً على حجرة

“ليكن أحب الناس إليك و أحظاهم لديك أكثرهم سعيا في منافع الناس”

غُرر الحكم- أمير المؤمنين، عليه السلام

ربما يكون عمل الخير بمضمونه الإيجابي حافزاً على احتكاره وعدم الرغبة في مشاركته مع الآخرين، من باب التميّز والتفوّق والاستزادة، وهذا تحليل شخصي لهذه الحالة النفسية، ربما لا أكون مصيباً فيه، بيد إن ما يحزّ في النفس؛ كثرة الوصايا من المعصومين، عليهم السلام، بالتكامل في الاعمال، والتقارب بين القلوب لمزيد من العطاء، ونشر الفضيلة وقيم الحق، وهذا ما جعل مفردات أخلاقية رائعة وجميلة مثل؛ التعاون، والتكافل، والتواصي، والتواضع، مجرد نظريات بعيدة عن الواقع، رغم حاجتنا المؤكدة الى روح العمل الجماعي لفائدة الجماعة.

مساعدة عائلة فقيرة، أو مساعدة طلاب مدارس وجامعات من ذوي الدخل المحدود، او الإسهام في نشر الثقافة والوعي بين الناس؛ ورقياً، والكترونياً على وسائل التواصل الاجتماعي، وما الى ذلك من النشاطات الخيرية والتنموية المحتاجة دائماً الى تظافر الجهود وتراكم الخبرات لتكون النتيجة أفضل.

ثمة تصور بأن فتح باب المشاركة وتكاثر الأيدي في عمل ما يبعدنا عن النتيجة المطلوبة، وربما يخلق تعقيدات او تقاطعات، بينما التفرّد بالعمل يكون افضل لأنه يمضي على يد واحدة! ثم إن الشخص المتولّي هو الذي سيكون المسؤول عن الفشل إن حصل، بينما نلاحظ – يقول أصحاب هذا الرأي- في حالة تشابك الأيدي في البداية، انسحابها السريع في النهاية المنتهية الى الفشل، وهو رأي او تصور ليس بالضرورة يُعد قاعدة عامة، بقدر ما هي حالات خاصة.

 ربما يسأل سائل عما سيحصل اذا عمل كل واحد وفق رؤيته ومزاجه وطريقة تفكيره، بدعوى التنوّع والتعدد!

إن نظرة خاطفة للتجاذبات والتقاطعات في الساحة تشير الى ضرورة اجتماع الرؤى صوب هدف واحد مشترك عندما تكون المواجهة مكشوفة بين جبهتي الحق والباطل، وبين دعاة الدين والقيم السماوية، ودعاة النظريات المستوردة، لاسيما وأن الأسرة الهادئة والجميلة تقع اليوم محوراً لهذا الصراع، فبين أن تسمو وتصنع جيلاً واعياً وبناءً، وبين أن تنحني نحو الميوعة والتحلل ثم الانهيار.

فالرؤية الحضارية البعيدة المدى تتطلب التقارب والتشاور قبل هبوب العاصفة الصفراء من خارج كيان الأمة، بينما نلاحظ أن استشعار الخطر على الأسرة والمجتمع وعلى القيم يجمعنا في خندق واحد من حيث لا نريد، بعد أن كنا طيلة السنوات الماضية نطبق الآية الكريمة بشكل غير دقيق: {كُلٌ يَعملُ عَلى شاكلتِهِ}، ولعل مواقع التواصل الاجتماعي تجسيداً لما نذهب اليه، فالشباب والعلماء والخطباء ممن لم يلتقوا ببعضهم يوماً، يجدون انفسهم في خندق واحد في كل ما يهدد سلامة الأسرة والطفل وشريحة الشباب من انتشار أفكار التحلل من الالتزام، والانسلاخ عن الهوية والانتماء، وحتى التاريخ.

إن نظرة خاطفة للتجاذبات والتقاطعات في الساحة تشير الى ضرورة اجتماع الرؤى صوب هدف واحد مشترك عندما تكون المواجهة مكشوفة بين جبهتي الحق والباطل

المشهد اليوم ذكرني بمشهد مماثل حصل قبل حوالي ستين عاماً عندما توحدت جهود العلماء والخطباء والكتاب والمثقفين في ستينات القرن الماضي لمواجهة الأفكار الدخيلة على المجتمع، فصدرت المجلات والمؤلفات، وصدحت المنابر لتذكير الناس بثقافتهم الأصيلة المستمدة من تراث أهل البيت، عليهم السلام، وعدم حاجتهم الى الماركسية، ولا الى القومية، ولا الى الاشتراكية، وكانت الخطوة التالية في التفكير بتنظيم هذه الجهود في إطار حركي –حزبي، ولكن! عدم تحول هذه الجهود الى نهر جارف في الساحة الاجتماعية والسياسية آنذاك، أعطى الفرصة لمن هم أكثر تنظيماً وسعة في الرؤية للحاضر والمستقبل أن يوقفوا هذا التيار قبل أن يكون تهديداً حقيقياً لهم.

والنتيجة؛ أن القلّة القليلة من العراقيين يعلم بوجود تلكم الجهود الجبارة في تلك السنوات الخوالي، وايضاً؛ بتلك التضحيات الجسام من خيرة الشباب المؤمن والعلماء الافذاذ والخطباء المفوهين، وما نجاح نظام حكم حزب البعث بقيادة صدام من زجّ العراقيين في ثلاث حروب كارثية مع ايران، ثم مع الكويت، ثم مع اميركا، إلا نتيجة لنجاح حققه في البداية بعزل المعارضين المتنوعين بأفكارهم واساليبهم، عن كيان المجتمع العراقي، ثم توجيه ضربته الشديدة بموجات الاعتقال والاعدام، قبل اختيار المنافي موطناً بديلاً لسنوات مديدة.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا