قرار وزارة التربية بإدخال كتاب “التربية الأخلاقية” في المنهج الدراسي ذكرني بأيام زمان عندما كنّا في الابتدائية في سبعينات القرن الماضي، وكيف أن الكادر التعليمي في تلك الفترة كان يحمل على عاتقه طواعية، مسؤولية تربية التلاميذ وتعليمهم الأخلاق والآداب، ومن هم في سنّي يتذكرون تلك الأيام الجميلة بجمال المعلمين وشفافية روحهم، وطيبة نفوسهم، فكانوا الأب الثاني للتلاميذ الذين هم بدورهم اليوم آباء وأجداد الجيل الجديد.
صحيح أن الأخلاق والآداب للتلاميذ الصغار وحتى الكبار في المدارس والجامعات تحتاج الى مناهج خاصة تكون الى جانب المناهج الدراسية لتكون العملية التعليمية ذات صبغة علمية، بيد أن الأخلاق كما يعرّفها العلماء والحكماء بشكل مجمل بأنها “منظومة قواعد للسلوك”.
فهي مسألة عملية قبل ان تكون نظرية، تعتمد على الخلفية التربوية للطفل (التلميذ) في الوسط العائلي، كما تعتمد على الاستعداد النفسي القابل للتنمية لاستقبال كل ما يدلّ على الفضيلة وفعل الخير، واحترام الآخرين، مما يعني أن قرار الوزارة يعد تحصيل حاصل، لاسيما اذا عرفنا أنه يأتي في وقت متأخر بعد سلسلة مطالبات طويلة طيلة السنوات الماضية بضرورة إدراج الأخلاق والآداب في المناهج الدراسية لتحصين التلاميذ والطلاب من المؤثرات اللاأخلاقية الوافدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقبلها من القنوات الفضائية.
ونحن نعقد الآمال الكبيرة على الكادر التعليمي من السادة المعلمين والمعلمات الكرام في الاقتداء بمن سبقهم في المهنة المقدسة قبل حوالي أربعين او خمسين سنة في تحمل مسؤولية التربية الأخلاقية، ونشدّ على أيدي المخلصين والمؤمنين ممن يحملون هذا الهمّ بصمت ويعملون طواعية في هذا المشروع الحضاري.
و وجود هذه الشريحة المؤمنة يستدعي من المعنيين التفكير قبل كل شيء بالتشاور وعقد الندوات الخاصة لبلورة منهج متكامل يعكس جانباً من النظام التربوي في الإسلام في ضوء القرآن الكريم، و سنّة النبي الأكرم، وسيرة الأئمة المعصومين، عليهم السلام، وهذا يعني أننا لن نكون بحاجة الى أطراف أخرى تطل برأسها على الواقع التعليمي في العراق كما جاء في بيان الناطق الرسمي في وزارة التربية كريم السيد بأن “هذه الخطوة جاءت بعد دراسة معمقة للواقع ومدى حاجة التلميذ والطالب الى التعلم وصولا الى التكامل الإبداعي، حيث اجتمع عدد من الاساتذة والمُختصين في المديرية العامة للمناهج بالتعاون مع المنظمات الدولية والجهات التربوية والعلمية المعنية لتأليف هذا الكتاب”!
المرحلة التي نعيشها تعد أعظم فرصة تاريخية لنا منذ زمن بعيد، حيث الإمكانات المادية، متمثلة بالوسائل المتطورة، وايضاً؛ الإمكانات المعنوية متمثلة بالحرية، هذه النعمة العظيمة
علماً أن بيان وزارة التربية حمل ايضاً بعض الايحاءات المبهمة بشأن كتاب التربية الأخلاقية الذي تقول أنه للصف الاول الابتدائي والاول المتوسط، “بغية بناء وتنشئة جيل واع متمسك بالقيم والمبادئ الدينية والإجتماعية الاصيلة بعيدا عن التعصب والتمييز بما ينسجم وأحكام الدستور العراقي”! فما علاقة التعصب والتمييز بتعليم الأخلاق حتى نبتعد عنهما؟ ثم ما دخل الدستور بالموضوع؟!
عود على بدء
عندما نستذكر الاهتمام والحرص لمعلمي “الزمن الجميل”، إنما نستذكر الخلفية الثقافية لأولئك الثلّة المؤمنة ممن تغذوا من المؤلفات ومن مجالس الخطباء والعلماء، فكانوا يربوننا على تجنب الكذب، والنميمة، والسرقة، والاحتيال، ويحببون لنا الصدق، والأمانة، والوفاء واحترام الآخرين، وحتى تجنب الحلف بالله (القسم)، ولو بشكل عفوي بقول: “والله”! كما أتذكر من أحد المعلمين آنذاك.
المرحلة التي نعيشها تعد أعظم فرصة تاريخية لنا منذ زمن بعيد، حيث الإمكانات المادية، متمثلة بالوسائل المتطورة، وايضاً؛ الإمكانات المعنوية متمثلة بالحرية، هذه النعمة العظيمة، وهي مجتمعتان تحملنا مسؤولية مشتركة من الكادر التعليمي والتدريسي، ومن العلماء والخطباء، ومن المثقفين والاكاديميين لإنجاح هذا المشروع الذي يعد بنية تحتية أساس لفكر وثقافة الطالب، وفي مرحلة لاحقة؛ المحامي، والطبيب، والموظف، والمدير، والمنتسب في القوات الأمنية والعسكرية، وحتى بائع الخضار والمواد الغذائية والأدوات المنزلية في الأسواق.