مناسبات

السيدة الزكية فاطمة بنت أسد

لقد خلدت سيرة الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وآله، نجوم من النساء الزاكيات ساندته في مسيرته الشاقة لنشر الدين الحق الاسلام، فكانت واحدة من الشخصيات السيدة الزكية فاطمة بنت أسد، ملتقى أصيل للعفة والطهارة والجهاد، فلها دورها المشرف في خدمة رسول الله، صلى الله عليه وآله، ورعايته والبر به، والسبق إلى إعلان الإسلام، والإيمان بما جاء به النبي  من عند الله تعالى، وقد اشتركت مع زوجها أبي طالب في حمايته من الطغاة القرشيين الذين جهدوا على تصفيته وإحماء دعوته ولك رسالته .

وفجع النبي، صلى الله عليه وآله، وهو في فجر الصبا بوفاة أمه الفاضلة الزكية، فقد وافتها المنية وهي في طريقها من المدينة إلى مكة، ومن المؤكد أنه ليس شيء أوجع القلب الطفل من فقده الحنان أمه الذي هو أثمن من الغذاء، وقد عوضه الله تعالى بحنان السيدة فاطمة بنت أسد، فقد قامت بدورها بالحنان والمودة له أكثر من حنانها ومودتها لأبنائها .

ومن الجدير بالذكر أن هند أم معاوية وجدة يزيد لما خرجت لحرب النبي في واقعة أحد اجتازت على قبرأم النبي  فأرادت نبش قبرها والتمثيل بجسدها الطاهر، إلا أن قومها منعوها من ذلك، وقالوا لها إنها تكون سنة، فاستجابت لهم .

وكان من عظيم ولائها للنبي  أنها دعت الله تعالى بإخلاص في بيته الحرام أن يرزقها ولداً ليكون أخاً لرسول الله ، فاستجاب الله تعالى دعاءها فرزقها الإمامَ أمير المؤمنين الله، فكان كما أرادت أخاً شفيقاً للنبي، صلى الله عليه وآله، ومن المؤكد أنه ليس في قاموس الأخوّة والمودة كأخوّة الإمام ومودته للنبي، فقد فداه بنفسه، وبات على فراشه حينما أحاطت به قريش لقتله، وصاحب النبي  في أقسى المحن وأشدها خطورة وأكثرها بلاء في واقعة حنين حينما انهزم المسلمون وتركوا النبي اطعمة لسيوف القرشيين، فكان هو المدافع والذاب عنه ولولاء لأنت قريش على تصفية جسده الشريف، ولف لواء الإسلام .

كان من عظيم ولائها للنبي  أنها دعت الله تعالى بإخلاص في بيته الحرام أن يرزقها ولداً ليكون أخاً لرسول الله ، فاستجاب الله تعالى دعاءها فرزقها الإمامَ أمير المؤمنين الله

صاحبت السيدة فاطمة رسول الله وهو في فجر الصبا، ورأت ما أسداه الله تعالى عليه من البركات والألطاف، وفي شبابه كان زوجها أبو طالب يخبرها بعناية الله تعالى له حينما كان في سفره للتجارة وهو معه رأى الغمام تظله وحده، وقد أخبره كاهن بأنه النبي الذي يبعثه الله تعالى لعباده، وأوصاه بالمحافظة عليه خوفاً من اغتيال اليهود له، وقد أيقنت فاطمة أن له شأناً عظيماً عند الله، وأنه سيكون أعظم مصلح وقائد لهداية الناس، فآمنت به، ولما أعلن النبي الله دعوته الخالدة إلى الله تعالى، ونبذ الأصنام والأوثان التي كانت تعبدها قريش بادرت إلى إعلان الإسلام، والتصديق بما جاء به من عند الله تعالى .

وللمرأة كالرجل دور إيجابي ومتميز في تأسيس الدعوات الإصلاحية التي عادت على الأمم بأفضل النتائج وأكثرها عائدة، فكما ساهمت السيدة الزكية فاطمة بنت أسد في خدمة النبي  الذي هو أعظم مصلح اجتماعي، كذلك ساهمت أم المؤمنين خديجة في إقامة الإسلام، فقد وهبت ثراءها العريض إلى النبي الله، وقد استطاع أن يبث دعوته في المجتمع القرشي الذي هو من أحط الشعوب فكراً وتخلفاً، معتمداً على أموال خديجة، وكان يمد الفقراء والمستضعفين من المسلمين بالمساعدات من أموالها، وقد وهبت خديجة سوقاً عامراً لها في مكة يسمى بتهروز فتصدق به على فقراء المسلمين، وفي أيام عثمان بن عفان وهب هذا السوق إلى مروان بن الحكم، وعلى أي حال، فلخديجة الفضل على الإسلام بما أسدته إليه من الخدمات، وتعتبر في طليعة المؤسسين للإسلام .

أعقبت السيدة فاطمة بنت أسد عيون الرجال وأفذاذهم، وهم :

۱ – طالب .

۲ – عقيل .

٣- جعفر.

٤ -الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الله، وكل واحد أسن من الآخر بعشر سنين.

ومن البنات اثنتين، إحداهما فاختة، وقيل هند، وهي أم هاني، والثانية

جمانة، والصحيح أنها أعقبت فاختة فقط. (أعلام النساء، ج ١، ص: ٣١٤) (الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي، ص: ٣٠ ).

و كانت فاطمة بنت أسد شديدة الترقب  لمولده المبارك وروى ابن المغازلي الشافعي عن علي بن الحسين نحوه،  وقال أبو عبد الله، عليه السلام “إِنَّ فاطمة بنت أَسَدٍ جَاءَتْ إلى أبي طالب التبشره بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ، فَقَالَ أَبو طالب: اصْبِرِي سَبْتا أَبَشِّرْكَ بِمِثْلِهِ إِلَّا النبوة وقال: السَّبْتُ ثَلَاثُونَ سَنَةٌ، وَكَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ  وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ثلاثون سنة”. (المناقب لابن المغازلي الشافعي، الحديث: ٦)  (غاية المرام، ١٣، الباب الثالث من المقصد الأول، الحديث ١).

هجرتها الله للمدينة المنورة

للمرأة كالرجل دور إيجابي ومتميز في تأسيس الدعوات الإصلاحية التي عادت على الأمم بأفضل النتائج وأكثرها عائدة، فقد ساهمت السيدة الزكية فاطمة بنت أسد في خدمة النبي  الذي هو أعظم مصلح اجتماعي

هاجرت السيدة فاطمة إلى المدينة بعد ما هاجر رسول الله  إليها، وبقيت في بيت رسول الله، وكان يرعاها ويقوم بما تحتاج إليه، وكانت له كأمه، فكان يقوم بجميع ما تحتاج إليه من شؤون .

وألمت الأمراض بالسيدة الزكية، وقد وافتها المنية بالمدينة في السنة الرابعة من الهجرة، وقد طويت أروع صفحة مليئة بالنور والشهامة والإخلاص والإيمان، وبادر الإمام أمير المؤمنين إلى رسول الله  فأخبره بوفاتها، فتلقى النبأ بأسى وحزن بالغين، فكفنها بقميصه، وصلى عليها، ونزل في لحدها، واضطجع في قبرها، فسأله أصحابه عن هذه الحفاوة البالغة، فأجابهم: “لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ أَبَرَّ بِي مِنْها، إِنَّمَا أَلْبَسْتُها قَمِيصِي لِتَكْسَىٰ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، وَاضْطَجَعْتُ فِي قَبْرِها لِيُهَونَ عَلَيْهَا”. (أسد الغابة: ٥ ٥١٠). (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١ ١٤).

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا