بصائر

أنت مسؤول أيضا في الوصول الحقيقة

الانسان بحاجة الى جهد كبير ومكابدة عظمى حتى يتكامل، صحيح ان الانسان خلق في احسن تقويم، لكن يقول الله: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}.

ويستطيع الانسان ان يسمو من اسفل سافلين الى اعلى عليين بالجهد، ولو لم هناك جهد لكان الناس سواسية، وكلهم من اهل الجنة، {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً}، يقول احد الشعراء:

لولا المشقة ساد الناس كلهم

الجود يفقر والاقدام قتّالُ

المشقة تجعل الانسان سيدا، وهذا لا يكون بين عشية وضحاها، تكامل الانسان في كل عمره، حتى في آخر لحظة من عمره يمكنه ان يتكامل، لان في هذه الدنيا دار عمل ولا جزاء، وفي الآخرة يكون الجزاء.

آفاق المسؤولية الفردية

كما ان الانسان مسؤول عن مجتمعه هو مسؤول عن نفسه، وآفاق المسوؤلية الفردية ان الانسان حين يعيش في الدنيا يستحضر دائما موقفه امام الله ــ تعالى ــ ويستحضر سؤال الله له: ماذا قدمت أيها الانسان؟ أين صرفت عمرك؟

والقرآن الكريم يبين ذلك ليحاسب الانسان نفسه، وسورة الاسراء هي سورة المسؤولية، قال ــ تعالى ــ: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً} الطائر اي ملف وسجل الانسان، والملائكة هم الذين يكتبون كل شيء في ذلك السجل؛ كل شيء يفكر فيه الانسان ويعمله يُسجل. والظالمون يقولون يوم القيامة: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً}.

كما ان الانسان مسؤول عن مجتمعه هو مسؤول عن نفسه، وآفاق المسوؤلية الفردية ان الانسان حين يعيش في الدنيا يستحضر دائما موقفه امام الله

فمن يقدم الاعذار لعدم حصوله على الهداية، ولم يعرف يُسأل: ألم تكن لك عينان، وأذنان، وغيرها من الوسائل التي زود الله بها الانسان ليهتدي ويعرف الطريق المستقيم، ذلك ان الهداية مسؤولية الانسان، فعليه السعي من اجل الاهتداء، فلا ينتظر احدا ليقحمه في رحاب الهداية، قال ــ تعالى ــ: {فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}، وليس بإمكان الانسان أن يحمّل، والديه، او المجتمع، او اي شخص آخر مسؤولية هدايته، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، والوزر معناه الثقل، كون المسؤولية والحساب ثقيلان، فلا يحملهما غير الانسان نفسه، ذلك أن كل واحد لديه حمل خاص به.

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}، فالله لا يظلم احدا، فهو ــ تعالى ــ يبعث رسولا، سواء كانت دعوة الرسول مباشرة ام بصورة غير مباشرة، فقد يكون عبر كلماته ورسله، او عبر الداعاة الى الله، بالنتيجة فإن كل إنسان تصله الدعوة ويحاسب بقدر ما وصل اليه.

{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} قال الامام الصادق، عليه السلام، في تفسير هذه الآية، قال: “قدره الذي قدر عليه”.

{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} يوم القيامة خمسين الف سنة، تخيّل ان يتم ايقافك خلال هذه المدة، في كل مركز تقف ألف سنة! في بعض الاحيان تصادفنا ازدحامات خانقة في بعض الشوراع البعض يصبر، والكثير يفقد اعصابه، فكيف بذلك الموقف يوم القيامة؛ فألف سنة يقف الانسان ليحاسب على صلة الرحم، وألف أخرى لمظالم العباد وهكذا بقية المواقف.

وأي شيء يكسبه الانسان يصبح شيئا من وجوده؛ سواء كان العمل خيرا ام شرا، قال ــ تعالى ــ: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ}، وهنا لابد على الانسان ان يسعى لتخليص نفسه من الأثم.

والانسان عليه رهن، والرهن ــ كما هو معروف ــ ان يطلب احدهم من آخر دينا فيطلب الدائن رهنا، كأن يكون بيتا او شيئا ثمينا، والانسان كذلك رهين عمله قال ــ تعالى ــ: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}، فلابد ان يجتهد الانسان لفكاك نفسه مما اكتسبه، وفي آية أخرى تبين ان الرهينة تبقى على الانسان الى ان يجازى بها، قال ـ تعالى ــ: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.

البشر يمتلك طاقة يتحكم بها في نومه واكله وشربه وهذه امور فطرية لا يملكها، وإنما يملك الانسان سعيه، وهذه نقطة اساسية في حياة البشر يبينها ربنا في سورة النجم: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}، وهذه كلمة عظيمة؛ فليفكّر كل واحد منا اي عمل قام به اليوم؟ الاخرون عملوا فهذا شيء جيد، لكن ماذا عن الانسان نفسه؟ ولذا فالفرد مطالب بأن يزيد في سعيه.

ليس بإمكان الانسان أن يحمّل، والديه، او المجتمع، او اي شخص آخر مسؤولية هدايته، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

بعض الناس يصعب عليه ان يتحمل المسؤولية، وإذا سُئل لماذا وقع في الخطأ يجيب: لان ابي كان هكذا، او ان مجتمعي ليس جيدا! بل وصل بالبعض كما يعبر بذلك القرآن الكريم: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} يعني ان اليوم الذي أخطأ فيه كان يوما نحسا وهذا تصوّر خاطئ، بل الانسان يتحمل مسؤولية أعماله مهما كانت المبررات.

وإذا تحمل الانسان مسؤولية اعماله فهناك فوائد جمّة منها: انه يتوب ولا يعود الى الخطأ، وثالثا يفهم الطريق الذي يسير عليه.

________

(مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرّسي دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا