ذكرنا في المقال الأول من هذه السلسلة عن زيارة الأربعين، كيفية استثمار هذه الزيارة الكبيرة اقتصاديا، ولخصنا ذلك بأهمية أن يوازن الشخص بين تأدية واجبه تجاه زوار الإمام الحسين عليه السلام، والاستمرار بتقديم الخدمة الطوعية لهم وفي نفس الوقت مواصلة السعي لتحصيل رزق أسرته بشكل يومي ومستمر.
أما في هذا المقال الثاني فسوف نسعى لتوضيح الخطوات الفعلية التي يمكن من خلالها، أن يستثمر الحسينيون والمسلمون والناس كافة زيارة الأربعين من الناحية التربوية، فهذه الزيارة المباركة تزخر بالدروس التربوية التي يمكن من خلالها أن يبني نفسه تربويا، كما يمكن للأب أن يربي أولاده من خلال زيارة الأربعين تربية صالحة، ويمكن للأم كذلك تربية بناتها تربية صالحة في ضوء هذه الزيارة المليونية التي يجتمع فيها البشر من مشارق الأرض ومغاربها.
هناك أب كان يشكو من الكسل الذي يسيطر على ولده، طفل في العاشرة من عمره، لا يستيقظ من النوم بسهولة، ولا يرغب بعمل أي شيء يكلفه به أبوه أو أمه، بل لا يخدم حتى نفسه، ولا يحب من هذه الدنيا سوى الخمول والدعة والانعزال، والبقاء بعيدا عن اي عمل أو أي مسؤولية تجاه أسرته، وأخوته ونفسه.
هذه الزيارة المباركة تزخر بالدروس التربوية التي يمكن من خلالها أن يبني نفسه تربويا، كما يمكن للأب أن يربي أولاده من خلال زيارة الأربعين تربية صالحة، ويمكن للأم كذلك تربية بناتها تربية صالحة في ضوء هذه الزيارة المليونية التي يجتمع فيها البشر من مشارق الأرض ومغاربها
في زيارة الأربعين بدأ الأب يقنع ابنه (طفل السنوات العشر) بأن يرافقه في الذهاب إلى الموكب الحسيني الذي يقدم فيه خدماته للزوار، وبالكاد أقنع الأب ابنه الكسول وأخذه معه إلى الموكب، وهناك تغيّرت حالة هذا الطفل منذ الساعات الأولى لوصوله للموكب، فقد عقد علاقات سريعة مع أقرانه، وأخذ يساهم معهم في تقديم خدمات الإطعام والشراب إلى زوار الحسين، ووجد الطفل ضالته هنا في هذا الموكب.
وبقيَ يواصل خدمة الزوار حتى ساعة متأخرة من الليل، وحين طلب منه أبوه أن يعودا للبيت كي يستريحا قليلا ويطمئنا على أفراد الأسرة، رفض العودة إلى البيت وطلب من أبيه أن يبقى في الموكب ليشارك الأطفال والشباب الآخرين في خدمة زوار أبي عبد الله عليه السلام.
لقد تخلّص طفل العشر سنوات الكسول من كسله تماما، واعتاد على تحمّل المسؤولية، وعندما انتهت الزيارة الأربعينية، فوجئت الأم بتغيّر عادات ابنها بشكل تام، فتلك الشخصية الكسولة الخاملة غادرته إلى الأبد، واعتاد على تنفيذ جميع المسؤوليات والطلبات التي تحتاجها أمه أو أخوته أو أبوه في البيت، أما قضية النهوض من الفراش فصار هو أسرع أخوته في النهوض من فراشه، وتعجّب الأب من هذا التغيير الكبير.
فقد مرت الأيام والليالي قبل انتهاء الأربعينية وهم يخدم زوار الحسين عليه السلام، ولم يشعر بالتعب أو الملل، بل على العكس وجد نفسه يكتسب خبرات عملية جديدة، كما اعتاد على التحمّل والصبر والتعامل الإنساني مع الآخرين، وقد ساعده أبوه في بناء هذه العادات الجديدة في شخصيته، وعلمه كيف يتخلص من الكسل، وربّاه تربية حسينية مسؤولة لا تتهرب من أداء واجباتها تجاه الأسرة أو الذات، لأن هذا الطفل تعلّم في مدرسة الأربعين.
هذا الاستثمار التربوي يمكن لجميع الآباء أن يستخدموه مع أبنائهم، فيصنعوا منهم شخصيات مكتملة، ناضجة، متفاعلة، لا يعرف الكسل طريقه إليها، لأنهم تربوا تلك التربية الحسينية الرصينة، وتعاملوا مع الزائرين كأنهم مسؤولون عن احتياجاتهم، كما أن التعبَ والمللَ لم يقترب منهم، بل على العكس من ذلك، كانت الهمّة تتجدد في دواخلهم، وكانوا يتعلمون بعضهم من البعض الآخر ويتربون في حياض المواكب الحسينية، ويكتسبون القدرة على المطاولة في العمل وتقديم الخدمات للزوار الكرام.
يمكن لجميع الآباء أن يستثمروا زيارة الأربعين تربويا، ويزرعوا حب المسؤولية في نفوس أطفالهم، ويعلموهم على الصبر والتعاون، وعدم قتل الوقت الفائض في عادات لا فائدة فيها مطلقا
هكذا كان لزيارة الأربعين دورها التربوي في تحسين شخصية الطفل ذي السنوات العشر، ومن المؤكّد أنه نقل هذه التربية وهذه العادات التربوية الحميدة التي اكتسبها من خدمة الزائرين إلى أفراد أسرته، كما أنه نقلها إلى أقرانه الآخرين، حيث لوحظ مرافقة أصحابه في المنطقة له بالذهاب إلى الموكب الحسيني والعمل على تقديم الخدمات الطوعية لجميع زوار سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.
هكذا يمكن لجميع الآباء أن يستثمروا زيارة الأربعين تربويا، ويزرعوا حب المسؤولية في نفوس أطفالهم، ويعلموهم على الصبر والتعاون، وعدم قتل الوقت الفائض في عادات لا فائدة فيها مطلقا، مثل تضيع معظم ساعات النهار في تصفّح الموبايل أو غير ذلك من الأفعال التي لا طائل منها، فالجانب التربوي لزيارة الأربعين متاحٌ للجميع، وما على الأم والأب سوى أن يقرررا استثمار هذه الزيارة تربويا ليحصلا على شخصيات متميزة لأبنائهم.