روي عن الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، أنّه قال: “علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والجهر ببسم الله الرحمان الرحيم والتختم باليمين وتعفير الجبين”.
فلمَّا كانت زيارة الأربعين أحد علامات المؤمن الخمس وجب علينا إدراك الهدف منها وأثرها علينا كأشخاص وكمجتمعات.
إنَّ علينا عدم الخلط بين الاهداف وخاصة في زيارة الامام الحسين، عليه السلام، و زيارة الأربعين، فلو سألتَ أحدهم لماذا تمشي للحسين في هذه الزيارة؟
فأحدهم يجيب من أول ما وعيت على الحياة وأنا أجد أهلي يمشون فتعودت المشي منذ ذلك اليوم، وآخر يقول لطلب الطعام لي ولأولادي في مثل هذه الأيام لكثرة الطعام في هذا الطريق.
ترى هل سألنا أنفسنا عن هدفنا من السير في طريق الحسين،عليه السلام؟ وما الغاية منه؟ ولماذا نكرره في كل عام؟
في الحقيقة السير للحسين يقدِّم لنا في كلِّ عام كمَّاً من الدروس لربَّما لن نتمكن من الحصول عليه في أيِّ مكان، أو زمان طبعاً، اذا كان ذلك مضافاً الى الالتفات والوعي بكل لحظة وموقف يمرُّ بنا، هذا اذا أردنا البحث على الصعيد الشخصي، أمَّا على صعيد المجتمع فهناك دروس جمَّة نستطيع استنتاجها ولفت النظر لها.
فعلى الصعيد الشخصي: نتعلم الصبر عندما نتذكر عطش الحسين، عليه السلام، وأهله وأطفاله في يوم عاشوراء، نتعلم الصبر منه عند رؤيته لجميع أولاده وأصحابه مضرجين بالدماء على الرمضاء، نتعلم من السيدة زينب، عليها السلام، الاصرار على تحقيق الهدف وتحمُّل جميع الصعوبات للدفاع عن الدين وعن إمام زمانها، نتعلم ايضا إكمال الطريق والعمل بتكليفنا مهما واجهتنا من معوقات والنظر للصعوبات بنظرة مختلفة لأنَّ الهدف عظيم، ونتعلم أن تكون أهدافنا إلهية وأن نزهد بكل زهيد وزائل.
السير للحسين يقدِّم لنا في كلِّ عام كمَّاً من الدروس لربَّما لن نتمكن من الحصول عليه في أيِّ مكان، أو زمان
نتعلم من طريق الحسين، عليه السلام، أنَّ الأرزاق والخيرات ليست ماديةً فحسب؛ فالعلم رزق، والأخلاق رزق، والعطاء رزق، والانفاس رزق، والخدمة رزق، ولابدَّ لنا بعد ادراك هذه الأنعم معرفة مسؤوليتنا أمام المنعِم والامتنان للخالق عليها بحفظها وشكره عليها.
نتعلم أن نكون أحراراً لايستعبدنا منصب ولا جاه ولامال، وأنَّ العبودية لله فقط، نتعلم أهمية العمل التطوعي وأثره على النفس وتأثيره عليها على المدى البعيد.
أمَّا المرأة فتتعلم بالاضافة لذلك الاقتداء بالسيدة زينب، عليها السلام، في عفتها وحفاظها على حجابها وسترها في أصعب الظروف، وأن تحافظ على صلاتها في كل الأوقات .. تتعلم أن تكون قوية و تتكلم كلمة الحق ولو كلَّفها ذلك حياتها، أن تؤدِّي تكليفها بالحفاظ على إمام زمانها.
أمَّا على صعيد المجتمع :فقد شكَّلت هذه الزيارة بحشودها الغفيرة خطراً على الغرب، لأنَّها ظاهرة اجتماعية خالية من كل الفروقات الاجتماعية، وهي رسالة متنقلة عبر الأجيال واستمرار عاشورائي إلى مالانهاية في مواجهة الظلم والطغيان، نعم هي لوحة إنسانية تُرفع فيها كلُّ الألقاب، هي لوحة إلهية بقيادة صاحب الزمان، عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وهي دعوة دائمة لوحدة الشعوب وتلاحمها، ودليل بارز وقويٌّ على وعيها، وبالرغم من كلِّ المحاولات المتكررة للغرب وأعداء الاسلام على التعتيم الاعلامي عليها من أجل تضليل الرأي العام لايجاد التفرقة والعداوة بين الشعوب الإسلامية، إلَّا أنَّ جلَّ محاولاتهم باءت بالفشل وكانت بإستمرار شوكةً في عيونهم.
وهي تشكِّل حدثا اجتماعيّا غير مسبوقٍ في العالم لما تجمعه الزيارة من دلالات على المستوى التربوي والعقائدي والسياسي والإعلامي والثقافي.
ويظهر البعد التقدمي الشمولي في ما ترسخه الزيارة من نهج صراع الحق ضد الباطل، فكريًّا وسياسيًّا، عبر إدامة حالة الصراع مع الطواغيت، والعمل على تفكيك أجندة الخصم وإبطال أدواته، وترشيد القواعد الشعبية وربطها بالفكرة والمنظور والمشروع عبر منظومة من المفاهيم، وتحديث حالة التفاعل الفكري والإرادي بكسر الأنماط الفكرية البالية وتحرر المنظومة، والخروج على جمود الوعي وتفعيل حالة المواجهة، واستعادة الدور المطلوب والمسار الصحيح.
تشكِّل زيارة الأربعين حدثا اجتماعيّا غير مسبوقٍ في العالم لما تجمعه الزيارة من دلالات على المستوى التربوي والعقائدي والسياسي والإعلامي والثقافي
إنَّ ظاهرة الزيارة المليونية في زيارة الاربعين للإمام الحسين، تعبير عن انتصار القيم والمبادئ والأهداف التي استشهد من أجلها الإمام الحسين في معركة كربلاء، وهذا الحشد الهائل من البشر الذي نراه ونشاهده في كل عام، ومن مختلف الأديان والمذاهب، والأعراق والجنسيات والقوميات يؤكد انتصار المظلوم على الظالم، والمقتول على القاتل، والحق على الباطل.
وتؤكد واقعة كربلاء أن الانتصار المادي الذي حدث في كربلاء للجيش الأموي كان مؤقتاً وزائلاً، بينما انتصار القيم والمبادئ مستمر وثابت، وهذا ما أكدته أحداث كربلاء وما حدث بعدها، وهذا هو الانتصار الحقيقي، وقد تنبَّأت بهذا الأمر السيدة زينب الكبرى في حديثها ليزيد عندما قالت له: “فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم يناد المناد ألا لعنة الله على الظالمين”.