لقد دأب الشعراء الموالون على إنشاء قصائدهم المباركة بتبيان فضائل أهل البيت، عليهم السلام، ومناقبهم وأفعالهم التي يقومون بها وهي حتماً أفعال تصب في مصلحة الدين والإنسان والأمة لأنهم مطهرون ومعصومون من الخطأ، وما يرونه هم ليس كما نحن نراه، فرؤاهم الثاقبة لمجريات الأمور تختلف اختلافاً جذرياً لما يعتقد به الإنسان العادي إنهم أهل بيت النبوة والراسخون في العلم الحريصون على كل صغيرة وكبيرة لها علاقة بالدين والقيم والمبادئ.
لذلك يحرص الشعراء الموالون في اظهار تلك القيم والرؤى في قصائدهم محبة وولاء لهم .
وفي مناسبة استشهاد الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، ارتأيت أن أختار بعض الأبيات الشعرية من قصائد بعض الشعراء عن الإمام الحسن الزكي، عليه السلام. وهو الامام الذي سعى الى أن يقوم بتثبيت دعائم ركن البراءة من أعداء الله ــ عز وجل ــ من خلال الصلح الذي وقّع عليه مع معاوية، فبه عرف الأمة بالمنافقين المعادين لله ورسوله وأوليائه والساعين لاستعباد الأمة واعادة الجاهلية لتتحكم بمصير العباد، فبعد صلحه صرّح معاوية في خطبته الشهيرة بأنه لم يقاتل أهل الكوفة لكي يصلوا أو يصوموا، بل قاتلهم لكي يتسلط عليهم وقد أعلن عدم الالتزام بشروطه التي اشترطها على نفسه في اتفاق الصلح مع سبط رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.
ويشير الشاعر السيد رضا الهندي الى جانب من تلك الظروف التي عاشها الإمام عليه السلام، حيث تحملها بكل صبر وحكمة من أجل مصلحة المسلمين والحيلولة دون إراقة الدماء يقول الشاعر:
كـم نـال بـعـد أبـيـه مـن غـصص
يـطـوي الضـلوع بـهـا عـلى شجن
حُـشـدت لنـصـرتـه الجـنـود وهـم
بـيـن البـغـاة وطـالبـي الفتن ِ
ومـــحـــكـــم ومُـــؤَمِّل طــمــعــاً
ومـــشـــكـــك بـــالحــق لم يــدن
حـتـى إذا امـتـحن الجموع لكي
يــمــتــاز صــفـوهـمُ مـن الأَجِـنِ
نـقـضـوا مـواثـقـهـم سـوى نـفـرٍ
نـصـحـوا له فـي السـرِّ والعـلنِ
هكذا يصور الشاعر المعاناة والهموم التي تكالبت على الإمام جراء تخلي الكثير عنه طمعا بالدنيا الفانية، وقد نقضوا مواثيقهم إلا القليل ممن ثبت وصدق وقد اختبرهم الله في تلك المحن مما اضطره لقبول الصلح حفاظا على الدِين وعلى الدماء التي ستسفك، وبشروط انكرها الطاغية فيما بعد ليبقى الحكم لآل أمية عليهم لعائن الله.
لقد جهل الذين قالوا بأن الإمام تنازل لمعاوية ولم يروا ما يجري، إنهم يرون خلاف ما يرى الإمام، فالدنيا لديه فانية لا قيمة لها، وهو الكريم الأجود في عطائه وتضحياته، وأن الحكم بدون العدالة الإلهية أكثر قسوة من السم الزعاف
وهذا المعنى نراه أيضا في قصيدة العالم الأديب الشيخ محمد علي اليعقوبي من أعلام الخطابة الحسينية، وهذه أبيات مختارة منها، إذ يقول فيها:
سما قدراً فليس الفكر منا
يحيط بقدره السامي العليَّ
وليس عليه هون وانتقاص
بتسليم الحكومة للدعيِّ
رأى حقن الدماء عليه فرضاً
وتلك سجية البر الوفي
وكيف يصول في جيش خؤون
به لعبت يد الطمع الدنيَّ؟!
تجرّع من أعاديه خطوباً
سقته الهم بالكأس الروي
فالإمام الزكي، عليه السلام، سامي القدر وفكرنا لا يحيط بسموه، و منزلته، وحكمته وليس عليه من الهوان والضعف ولا أي انتقاص عندما وافق على تسليم الحكومة للدعيّ معاوية بن أبي سفيان، فحقن الدماء أولى من كل شيء وقد دبّت الخيانة في الناس فكيف يصول بهم وقد غرّهم الشيطان وزيّن لهم الدنيا.
وهذا ما جعل قلب الإمام يمتلئ بالهموم فاضطر الى قبول الصلح لمصلحة عامة فالإمام الحسن، عليه السلام، ليس هدفه كرسي الحكم إنه إمام وسيد فوق الجميع قام أو قعد وهو سيد شباب أهل الجنة، فالحكم لغرض العدل وحماية المسلمين وتثبيت دعائم الدِين ونشر تعاليمه السامية، وإن تنازله عن الحكم هو من أجل الحفاظ على تلك المبادئ والتعاليم السماوية.
يقول الشاعر الشيخ أحمد الوائلي في أبيات من قصيدته وهو يخاطب الإمام عليه السلام :
قـالوا: تنازلَ لابن هندٍ.. والهوى
يُـعمي عـن القولِ الصوابِ ويُبعدُ
مـا أهـونَ الـدنيا لديكَ وأنت مِن
وَكْـفِ الـسَّحابةِ فـي عطاءٍ أجودُ
والـحُـكْم لـولا أن تُـقيمَ عـدالةً
أنـكى لـديك مِـن الذُّعافِ وأنكدُ
ويَـهـون كـرسيٌّ لـمَن أقـدامُهُ
تَـرقى عـلى صدر النبيِّ وتصعدُ
أوَ يـبتغي مـنه الـسيادةَ مَـن لَهُ
شَـهِد الـنبيُّ وقـال: إنّك سيّدُ ؟!
لقد جهل الذين قالوا بأن الإمام تنازل لمعاوية ولم يروا ما يجري إنهم يرون خلاف ما يرى الإمام، فالدنيا لديه فانية لا قيمة لها، وهو الكريم الأجود في عطائه وتضحياته، وأن الحكم بدون العدالة الإلهية أكثر قسوة من السم الزعاف، وأي كرسي يغريه؟ وأقدام الإمام قد ارتقت صدر النبي، صلى الله عليه و آله، الذي شهد له بأنه سيد شباب الجنة فلا سيادة أرقى من ذلك.
السلام على الإمام الحسن الزكي يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.