مناسبات

كسير العضدين.. نافع بن هلال الجَمَلي

عِنْدَمَا نَقْرَأُ اَلْمَقْتَلُ وَنَصِلُ إِلَى جُمْلَةِ “هَلْ مِنْ نَاصِرْ يَنْصُرُنَا؟ هَلْ مِنْ مَعِينٍ يُعِينُنَا؟ هَلْ مِنْ ذَابَ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اَللَّهِ تَتَقَطَّعَ قُلُوبَنَا وَنَتَمَنَّى أَنْ نَكُونَ هُنَاكَ فَنُدْرِك اَلْقَتْلَ دُونَ اَلْحُسَيْنْ فَكَيْفَ بِقَلْب صَاحِبِ اَلزَّمَانِ وَهُوَ يَسْمَعُ جَدُّهُ يَسْتَغِيثُ فَلَا يُغَاثُ وَيَطْلُبَ اَلنُّصْرَةَ فَلَا يُنْصَرُ ؟ وَتُعَادَ عَلَيْهِ كَرْبَلَاءُ كُلَّ فَجْرٍ؟ فَكَيْفَ لَايْبِكِي بَدَلُ اَلدُّمُوعِ دِمَاً؟

كثيرة هي المواقف والمشاهد العاشورائية المؤلمة والحزينة منها ما كُتب ودون، ومنها ما غاب عن العيان، ومنها قد يغيب عن الأذهان، إذ لا يمكن لبعض المشاهد أن تُنقل لفظاعتها وبشاعتها، فبعضها قد لا يستوعبها العاقل ولا يستطيع أن ينقلها الناقل، وإن كان مقتل الامام الحسين، عليه السلام، واهل بيته قد غطى على كل الشخصيات، واخذ كل المواقف .

يستوقفنا البطل  نافع بن هلال الجملي (في منتهى الامال:ص٥٠٨): هو أحد شجعان جيش الإمام الحسين، عليه السلام، وأحد الذين فازوا بجنان الخلد مع الحسين، عليه السلام، باستشهاده في معركة الطف الخالدة فتذكر الروايات أنه جاء لنصرة الإمام، عليه السلام، من الكوفة وكان دليله الطرماح حتى لحق بالحسين ومعه جماعة.

 ويذكر المؤرخون أنه لما اشتد على الحسين، عليه السلام، وأصحابه العطش دعا أخاه العباس فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً وبعث معهم عشرين قربة فجاؤوا حتى دنوا من الماء ليلا واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي رحمه الله ومن يقرأ سياق هذا الحدث وهذا الموقف يستنتج :

كثيرة هي المواقف والمشاهد العاشورائية المؤلمة والحزينة منها ما كُتب ودون، ومنها ما غاب عن العيان، ومنها قد يغيب عن الأذهان، إذ لا يمكن لبعض المشاهد أن تُنقل لفظاعتها وبشاعتها

١- ان بطل العلقمي قد سقى المعسكر بما يحويه من جنود واطفال، بل حتى ترشيف الخيول اكثر من مرة، إلا ان الخطباء يركّزون على السقي الاخير لانه مرتبط باستشهاد العباس بن امير المؤمنين، عليه السلام.

٢- تنبّه معسكر الاعداء الى سد هذه الثغرة التي احدثها بطل الاباء والفضل قائد المعسكر وحامل الواء، وهذا مما حدى بهم الى تحشيد اربعة آلآف مقاتل على المشرعة وهو مما اعاق السقي الاخير للمعسكر.

٣- لقب ساقي العطاشى فيه صيغة مبالغة لكلمة(ساقي) قد تكررت مرارا.

٤- اختيار الوقت المناسب ليلا حتى لا تُحسب على معسكر الامام الحسين، عليه السلام، نوعا من التعجيل في بدء المعركة، وهو ما نبَّه اليه الامام الحسين، عليه السلام، يوم العا شر اصحابه بالوصايا لمعسكره: “لاتبدؤوهم بقتال”.

٥- خسّه القوم باستخدام الماء في الحرب وكأن فضل الامام علي، عليه السلام، في صفين تلاشى، او قد يحوّل الى نوع من ضعف القيادة في ساعة الشدة.

وعند اقتراب كتيبة ابي الفضل، عليه السلام، من الفرات وكان في طليعة الكتيبة صاح به  عمرو بن الحجاج الزبيدي مَن الرجل؟

 قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي جلأتمونا عنه قال: فأشرب هنيئاً.

 قال: لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه، فطلعوا عليه فقال: لا سبيل الى سقي هؤلاء، إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء فلما دنا منه أصحابه، قال: الرجالة املؤوا قربكم، فشد الرجالة فملؤوا قربهم وثار عليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه، فحمل عليهم أبو الفضل، العباس بن امير المؤمنين عليه السلام، ونافع فكفوهم، ثم انصرفوا الى رحالهم، ونافع هو الذي قال للإمام للحسين، عليه السلام، في طي كلامه: “وإنا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك”، وكان نافع شجاعا، ذا بصيرة وشرف وله مرتبة وقدر عظيم.

 وتذكر بعض الروايات أنه قد كتب اسمه على أفواق نبله فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول:

آرمي بها معلمة أفواقها

مسمومة تجري بها اخفاقها

ليملأن أرضها رشاقها

 والنفس لا ينفعها اشفاقها

فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه، ثم ضرب يده إلى

سيفه وجعل يقول:

أنا الغلام اليمني الجملي

ديني على دين حسين بن علي

أن أقتل اليوم فهذا أملي

 رأيي وألاقي عملي

فقتل اثني عشر رجلا وقيل سبعين نفرا من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح، فحمل عليه القوم وضرب حتى كسر عضداه وأخذ أسيراً، فأخذه شمر ومعه أصحاب له يسوقونه والدم يجري على وجهه ولحيته حتى جيء به إلى أبن سعد.

فقال له: ويحك ما حملك على ما صنعت بنفسك؟

خسّه القوم باستخدام الماء في الحرب وكأن فضل الامام علي، عليه السلام، في صفين تلاشى، او قد يحوّل الى نوع من ضعف القيادة في ساعة الشدة

 قال : إن ربي يعلم ما أردت، وما ألوم نفسي على الجهد ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني.

 فقال شمر لعمر: أقتله أصلحك الله.

 قال: أنت جئت به فإن شئت فاقتله، فانتضى شمر سيفه فقال له نافع: أما والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شر خلقه، فقتله شمر اللعين صبرا. وهذا من ادنى الرجولة واخلاق الحرب قتل المحارب الجريح والاسير، بيد انه لاعجب من هؤلاء الذين ملئت  بطونهم من الحرام فطبع الله على قلوبهم، وجعل على ابصارهم غشاوة وران على قلوبهم كل الرين هذه المواقف البطولية والشدة في نصرة الحق والدفاع عنه ونصرة ريحانة المصطفى تعيد إلى الأذهان  تلك المواقف البطولية لشهداء الدفاع المقدس، وتقديم الغالي لأجل العقيدة والمقدسات، واخذوا يتسابقون على ذهاب الانفس.

عن المؤلف

كريم الموسوي

اترك تعليقا