نعيش اليوم في عالم غريب، عالم بلغت فيه الفوضى هيمنتها على كل شيء، وهناك حملات مبرمجة تستهدف القيم الصالحة، لأن الإنسان الصالح لن يتهور، ولا يتنازل عن القيم الأصيلة التي تجعل من الاستقامة والصلاح والاعتدال طريقا له.
لهذا نحن في حاجة مستمرة للأسوة التي نسير في هدْيِها، خصوصا شريحة الشباب، فالدنيا كلها تفتح ذراعيها لهم، وتناديهم بالمغريات المادية الهائلة، وتستهدفهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكل المنصات ووسائل الاتصالات والإعلام المختلفة، وهناك مؤسسات تم تأسيسها وبنائها خصيصا لتدمير الشباب في المجتمعات الضعيفة ثقافيا وسياسيا.
هناك موجات ثقافية تغري الشباب وعموم الناس للانزلاق في الموجة المادية الهائلة التي جعلت من النزعة المادية فوق كل شيء، وأعلى من كل اعتبار، لهذا نحتاج كشباب إلى النموذج وإلى السيرة الصالحة التي تنقذنا من هذا الوباء المادي الخطير، السيارات الفارهة ملأت الشوارع والمعارض والساحات، المجمعات السكنية من الطراز الحديث تمركزت في أعماق العاصمة والمدن الأخرى، كلُ الملامح المادية المغرية تعصف بالشباب وبالناس من مختلف الأعمار، ولم يبقَ أمامهم أما الحصانة الدينية العقائدية والأخلاقية التي تحميهم من الانحراف، وأما الاستسلام والانزلاق في مهب السيول المادية الجارفة.
هناك موجات ثقافية تغري الشباب وعموم الناس للانزلاق في الموجة المادية الهائلة التي جعلت من النزعة المادية فوق كل شيء، وأعلى من كل اعتبار، لهذا نحتاج كشباب إلى النموذج وإلى السيرة الصالحة التي تنقذنا من هذا الوباء المادي الخطير
هل نحن نبالغ في طرح هذا الموضوع بهذه الصيغة أم أنها حقائق نراها بأعيننا، ونعيشها كواقع يومي نتعامل معه في الشوارع والأماكن المختلفة والأسواق، هذه المظاهر البراقة تريد أن تضعف الشباب وتقتل فيهم روح الإيمان والاستقامة، هذا هو الهدف من الثقافات والأفكار المادية الصارخة التي يتم بثها بشكل منظم عبر منصات إلكترونية تم إنشاءها بشكل خاص لخلخلة الأخلاق والسلوك الشبابي والمجتمعي في البلدان الشرقية والإسلامية بشكل خاص.
ما هي أسلحتنا التي نواجه فيها هذا المد الهائل، هل نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يحصل بشكل يومي وبطريقة مبرمجة ومنظمة لتدمير القيم الصالحة، وزرع البديل لها في قلوب وعقول الشباب؟، أليس لدينا إمامنا الحسين، عليه السلام، حامل لواء الأخلاق والفضيلة والثورة على الظلم والرذيلة، ألا نجد في سيرته الخلاّقة ما يجعلنا في مأمن من الانحرافات بأشكالها الكثيرة والكبيرة والخطيرة؟
نعم، لو تحرّينا واقعنا وتاريخنا جيدا، لعرفنا بأننا محظوظون، لأننا ننتمي إلى الإمام الحسين عليه السلام، أما المطلوب منّا فهو ليس بالأمر العصيب، وإنما هو في غاية الوضوح والسهولة، إن المطلوب هو معرفة الشباب لسيرة الإمام الحسين، عليه السلام، من المصادر والكتب الموثوقة، مع الحرص التام للاطلاع على هذه السيرة، ومن ثم معرفة علوم الإمام، وخصاله وأخلاقه وطبيعة تعاملاته مع الآخرين.
إن الإمام الحسين، عليه السلام، قدم للشباب ولعموم البشر درسا في الكفاح الإنساني لا يمكن الاستغناء عنه، فالناس يأتون من أقاصي العالم لكي يتباركوا به، ولكي يطلعوا على واقعة الطف في كربلاء، ولكي يفهموا تفاصيل عاشوراء بشكل أدق وأوضح، نعم هم يأتون من أقاصي الشرق والغرب، ومن الجهات الأربع للأرض، لكي يلتقوا بسيد الشهداء، ويستنيروا بنوره وثورته والقيم التي ضحى من أجل ترسيخها بين المسلمين والبشرية جمعاء.
فما بالنا نحن الذين نعيش على مقربة من الإمام في داخل العراق، أليس من الواجب علينا أن نحصل على الاستقامة التامة والصلاح الناجز من هذه الثورة الحسينية الخالدة؟
نعم علينا أن نؤمن تمام الإيمان بأننا أمام فرصة عظيمة لقطف مزايا الاستقامة والقيم العظيمة، لكي نضع بيننا وبين المغريات المادية أسوارا شاهقة، بحيث لا يمكن لها التأثير علينا، ولا تزعزع إيماننا ولا تُنقص أو تزعزع من عقائدنا، فنحن الشباب الحسيني الناهض، الذين نعرف تماما قيمة ما ضحى به الحسين، عليه السلام.
إن الإمام الحسين، عليه السلام، قدم للشباب ولعموم البشر درسا في الكفاح الإنساني لا يمكن الاستغناء عنه
ونعرف بالضبط ما هو دورنا في نصرة الإمام الحسين، ونعرف كيف تتحقق هذه النصرة، فالحسين، عليه السلام، ثار على الفساد والجور والظلم، ودعا إلى العدالة، وهذه القيم لا نجدها في الأفكار الغريبة التي تستهدف إيمان الشباب والقيم الصالحة بشكل عام، الأمر الذي يستدعي منا جميعا أن نمتثل لسيرة الإمام الحسين، عليه السلام، ونبحث عن الاستقامة ونحيط أنفسنا وعقولنا بالصلاح والإيمان والتقوى والامتثال لمبادئ الحق.
هذا الهدف العظيم قد يبدو من الصعوبة بحيث لا يمكن أن يناله الإنسان، ولكن ليس الأمر بهذه الصعوبة أو الاستحالة، لأن الأمر يتعلق بمدى حبنا للإمام الحسين، ومدى تعلقنا وإيماننا الحقيقي بثورة الإمام عليه السلام، وبالمبادئ والقيم والأهداف التي أعلنها حتى قبل خروجه من الحجاز ضد الحاكم الجائر الفاسد، لذا علينا العمل معا وفق رؤية واضحة تماما، وبتخطيط واضح وسليم، وإيمان راسخ، لكي نجهض الأفكار المغرضة، وننتصر للمبادئ الحسينية في الاستقامة والصلاح.