يواجه الوالدان حالة الكذب التي ترافق نسبة كبيرة من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 13-15 سنة، بنوع من الاستخفاف وعدم الاكتراث لهذه الصفة المكتسبة من البيئة المحيطة او البيئة الاسرية، فما هي الطريقة المثالية للتعامل مع كذب المراهقين؟
ومن أهداف الكذب لدى المراهقين تجنب سلبيات الحقيقة، مثل التحايل على خطر التعرض للعقاب؛ لكن هذا الموقف ليس حكرا على هؤلاء فقط، اذ يشترك معهم ايضاً، فالكثير منهم يروون لبعضهم البعض قصصا يصدقونها، تماما كما كانوا يفعلون عندما كانوا أطفالا صغار.
فصل المراهقة من الفصول المهمة في حياة الفرد، ويعود الكذب في هذه المرحلة بنسبة كبيرة الى شخصية المراهق نفسه، اذ يتمتع بعض منهم بخيال واسع يرسم في مخيلته مخطط وهمي ويحاول ان يقنع فيه نفسه بالدرجة الأولى ومن ثم يتوجه الى الافراد الآخرين الذين يلتقي بهم في المدرسة ومحل السكن.
وتتحدد شخصية المراهق بناء على شخصية طفولته التي تعد حجر الزاوية لمراحل حياته الأخرى، فالمراهق الذي يكذب، ربما حمل هذه الصفة معه من مرحلة الطفولة، لذا من المهم جدا ان يركز الآباء والامهات على تكوين شخصية أطفالهم منذ السنوات الأولى، ومنع تسرب الصفات السيئة لديهم وتجذرها فيهم مع مرور الوقت.
لماذا يكذب المراهق؟
من المهم جدا فهم أسباب لجوء المراهق للكذب قبل معرفة طرق علاجه حتى يتم التعامل مع الحالة بشكل فعال، ومن بعض الأسباب ان المراهقين يكذبون فيما يتعلق بدراستهم لعدم رغبتهم بالذهاب إلى المدرسة، أو إنجاز الواجبات المدرسية، ومن هنا فتكرار الكذب يحتاج إلى الوقوف على أسباب أخرى مبهمة تدفع المراهق للكذب، فربما يعاني من صعوبة في التعلم، وهذا يتطلب تدخلاً سريعاً، كما يمكن أن يكون الكذب إشارة إلى مشكلات اجتماعية يواجهها في المدرسة.
المراهق الذي يكذب، ربما حمل هذه الصفة معه من مرحلة الطفولة، لذا من المهم جدا ان يركز الآباء والامهات على تكوين شخصية أطفالهم منذ السنوات الأولى، ومنع تسرب الصفات السيئة لديهم
و ربما يكذب المراهق لتجنب العواقب السلبية لفعله مثل العقوبة أو التعرض للتقريع من الوالدين، ويأتي أيضا من أسباب الكذب؛ الإثارة وتجربة مغامرة جديدة، وهذه السلوكيات تنطوي على إحساس بالمخاطرة والتحدي.
وللكذب بالنسبة للمراهقين علاقة بالتأثر بالأصدقاء، اذ يُعد من أهم أسباب الكذب عند المراهقين التأثر بأصدقائهم، والوقوع تحت ضغط الأقران، بسبب اتهامهم بضعف الشخصية في حال لم يتمكن المراهق من تقديم صورة جيدة لوالديه.
ويسعى المراهق للحفاظ على خصوصيته واستقلاليته من خلال الكذب على الوالدين اللذان يرغبان بالتدخل بكل تفاصيل حياته، وهو من الأمور التي يعدها المراهق غير مقبولة، لذلك يلجأ إلى الكذب للحفاظ على الخصوصية، وحماية استقلاليته، أضف الى الأسباب المتقدمة سبب الدفاع عن النفس وإخفاء الأخطاء المرتكبة لإبعاد الشبهات التي تحوم حوله.
ماذا اثبتت الدراسات؟
أظهرت دراسات حديثة أن 75% من المراهقين يكذبون بمعدل ثلاث مرات في اليوم، بينما وجد باحثون أن عدم الصدق يبلغ ذروته في المرحلة العمرية ما بين 13-15 عامًا.
وبحسب تقرير نشره موقع “نيوبورت أكاديمي” فإن المشكلة الحقيقية خلال هذه المرحلة تكمن في عدم قدرة الآباء والأمهات على التعامل مع لجوء أبنائهم للكذب، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن المراهق قد يتجنب قول الحقيقة في تلك السن نتيجة للتغييرات الجسدية والنفسية التي يعيشها في هذه المرحلة العمرية الصعبة.
من جانبها، قالت عالمة النفس الأميركية وخبيرة شؤون المراهقين ورئيسة تحرير مجلة “ذا جورنال أوف أدوليسينس” نانسي دارلينغ، إن قرابة 96% من المراهقين يكذبون على والديهم.
وفي دراسة أخرى، اعترف 82% من طلاب المدارس الثانوية والجامعات بالكذب على والديهم. ورغم صعوبة تعميم تجربة المراهقين الغربيين على باقي دول العالم، بالنظر إلى الخصوصية التي تميّز كل مجتمع عن غيره، يبدو أن ظاهرة الكذب في سن المراهقة أكثر شيوعاً مما يعتقده الكثيرون.
في المقابل، أشارت دراسة أخرى إلى أن 33% من الأمهات اللواتي يعتقدن أن أولادهن المراهقين يكذبون، في الوقت الذي تبيّن فيه صدق المراهقين، مما يؤشر إلى وجود فجوة وانعدام للثقة بين بعض الأمهات وأولادهن.
استراتيجيات التعامل مع المراهق الكذاب
من المعالجات الناجحة لكذب المراهقين، لا بد من التمييز بين الكذب الطبيعي والكذب القهري، إذ توجد علامات تحذيرية تساعد الأمهات والآباء، فيجب ملاحظة كم مرة يكذب ابنك؟ فالمراهق الذي يعاني من الكذب القهري عادة ما يكذب باستمرار وانتظام، ويلجأ للكذب بكل الأمور الصغيرة والكبيرة، إلى جانب شعوره بالتوتر أثناء الحديث.
احرص على إيجاد بيئة آمنة وخالية من التهديد حول المراهق، من خلال إظهار التقدير والاحترام وعدم الانتقاد القاسي، إذ يحتاج المراهق للشعور بالأمان للتعبير عن نفسه بصدق ودون خوف من العواقب السلبية
وفي حال ملاحظة ظهور هذه الأعراض، يجب عرض المراهق على أخصائي نفسي لتقييم حالته وتحديد الإجراء المناسب، ومن ضمن العلاجات لهذه الظاهرة تفهّم الأسباب المحتملة للكذب وإظهار التعاطف يزيد من فرص التواصل مع المراهق واستعادة الثقة به.
وعلى الاهل احترام الرأي والبقاء على تواصل مع المراهق، ذلك لتجنب لجوئه إلى الكذب عندما لا ينصت والداه إليه، ولا يحترمان رأيه، لذلك احترام آراء المراهق وتوطيد العلاقة معه يشعره بالارتياح، وكذلك التعامل بصبر وهدوء مع المراهق وعدم الاستعجال بإصدار الحكم، إنما أخبره أنك تقدر صدقه.
ويوجه خبراء نصائح الى الاهل بأن يكونوا مصدر ثقة للأبناء المراهقين، فلا بأس في أن تكون صريحاً وصادقاً بشأن تجاربك، إذ إن ابنك المراهق يستمع إلى ما تقوله ويراقب ما تفعله، وعلى الأرجح سيتصرف كما تتصرف، فالصدق ضروري إذا كنت تريد أن تكون مصدر ثقة لابنك المراهق.
وأخيرا؛ تجنب الغضب والاستجواب؛ فمن الطبيعي أن تغضب عندما تدرك أن ابنك المراهق يكذب عليك، لكن أسلوب التحقيق والاستجواب بطريقة غاضبة ليس فعالا، بل يدفع المراهق للهجوم والعناد والكذب أكثر.
احرص على إيجاد بيئة آمنة وخالية من التهديد حول المراهق، من خلال إظهار التقدير والاحترام وعدم الانتقاد القاسي، إذ يحتاج المراهق للشعور بالأمان للتعبير عن نفسه بصدق ودون خوف من العواقب السلبية.
نظرا لما سبق، لا نجد أي مانع في جعل الروابط قوية بين الأبناء المراهقين والآباء، فكل الحلول قابلة للتطبيق بما يضمن عدم استخدام المراهق للكذب للنجاة من عقوبة الاهل المتوقعة، فكلما كان الوضوح هو السائد، كلما تعامل المراهق بأريحية مع والديه وبالنتيجة تحصل الاسرة على نتائج طيبة.