قال أمير المؤمنين عليه السلام: “لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني، وذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي الأمي أنه قال: لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق”.
لكي نميز المؤمن الصادق عن مدعي الايمان هنالك مقياسان:
الاول: المقياس نظري
بأن نتعرف على مدى التزامه بما يدّعي؛ مواقفه وكلامه، ونرى مدى تطبيقه لبنود الايمان ومتطلبات الاسلام.
الثاني: المقياس العملي
بأن نضعه الى جنب من جسّد الاسلام في حياته، فنرى كم هو قريب إليه، او كم هو بعيد عنه.
واساس نؤمن بأن عليا إماما والامام ميزان للآخرين، وإلا بطل ان يكون إماما، بل إن كلمة الايمان في اللغة تعني ذلك الميزان الخشبي يستعمله البناؤون لكي يعرفون استقامة البناء او ميلانه، وهذه الكلمة (الايمان) متخذة في المقياس الاسلامي من ذات المعنى في اللغة، لان الإمام هو الميزان؛ فبالإمام نعرف الناس ونميّزهم، فيقسم المؤمن عن المنافق، إذ أنه: “قسيم النار الجنة”.
واصبح أمير المؤمنين، قسيما يوم القيامة، لانه اساسا قسيم الناس في الدنيا، وكل إنسان في هذه الأرض نقيسه بالإمام، وقد تسأل: أين صار موقع النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله؟
الجواب: إن رسول الله ميزان بين المؤمن والكافر، وامير المؤمنين، ميزان بين المؤمن والمنافق، ذلك انه في عهد رسول الله، كانت القضية المطروحة مَن الكافر، ومَن المؤمن، لكن بعد رسول الله اختلفت القضية، لان الكل اصبح يرفع شعار الإسلام فبعضهم صادق، والآخر كاذب.
المؤمن يبقى ميّالا الى أمير المؤمنين، عليه السلام، لأنه صادق مع نفسه، ولذا فهو يحب الإمام من أعماق نفسه، لأنه وجد الانسجام الكامل مع هذا الحب
فلا يمكن ان يكون عمار بن ياسر الذي قال عنه النبي الاكرم: “يا عمار تقتلك الفئة الباغية” لا يمكن ان يكون مؤمنا وقاتله مؤمنا ايضا، فنحن عقلاء: فهل نستطيع ان نقول ان الذين قاتلوا أمير المؤمنين، والذين قُتلوا معه كلاهما في الجنة؟! وكلاهما على حق؟
الإمام ليس إماما لزمانه، لان المقياس يجب ان يكون حاضرا بيننا الآن، خاصة فيما يرتبط بالقضايا الإنسانية، والرسالية، والايمانية، ذلك ان التاريخ يحفل بمقياس، فيعرض صفاته، ومواقفه، واعماله، وطريقته في الحياة، وبه نقيس الآخرين، فهو إذاً مقياس لكل زمان ومكان.
معيار الحب والبغض
” لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني”
الحب ميل النفس الى الشيء، والبغض هو عكسه، الميلان (الى) شيء حب، والميلان عن شيء بغض.
الانسان لا يحب إلا من ينسجم معه ويرتاح له، ولذلك يقال: الطيور على اشكالها تقع؛ فإذا وضع إنسان بين مجموعة حيوانات هل يتصور ان ينسجم معهن؟
وكذلك يبغض الانسان ما لا ينسجم معه، ولذا لا يمكن ان يحب المؤمن غير المؤمن، وإلا لكان خلل في إيمانه، لان الكافر يحب الكافر، ولا انسجام بين المؤمن من جهة وبين الكافر والمنافق من جهة أخرى.
ولا يمكن انسجام بين المنافق وبين قاتل المنافقين، فلا يتصور ان يرتاح المؤمن للمنافق الذي يقف في الجبهة المناوئة للمؤمنين، وكذا لا يمكن للمنافق ان يرتاح وينسجم مع الامام علي، لانه عليه السلام، قاتل المنافقين وفي فترة حكمه كان ضد المنافقين.
وإنما يحب الانسان في الآخرين ما يحب في نفسه، فإذا كنتَ تحب الشجاعة ستحبها في غيرك، فلا يمكن ان تحب الشجاعة ولا تحب الانسان الشجاع، ولا يمكن ان تحب الجهاد ولا تحب المجاهدين وكذا في بقية الخصال الأخلاقية الأخرى.
المنافق لا يحب الايمان المتجسد في شخصه، لأنه اساسا في داخله لا يحب الايمان، ولهذا لا تجده يرتاح للمؤمن.
ولن تجد مؤمنا يبغض أميرَ المؤمنين، عليه السلام، فحين يقرأ حياته الإمام علي سيجدها كانت في سبيل الشيء الذي يؤمن به ويسعى اليه.
وبسبب التزام أمير المؤمنين بالإيمان ومتطلباته اصبح ــ أمير المؤمنين ــ المحكَّ والمقياس، ولذا جاء على لسان رسول الله، صلى الله عليه وآله: “علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار”. وقال: “علي مع القرآن والقرآن مع علي”، فأعمالنا نقيسها بأمير المؤمنين، عليه السلام، حتى نعرف موقعنا الايماني.
لا يستطيع إنسان أن يأتي بنقطة ضعف واحدة في أمير المؤمنين، عليه السلام، لانه أساسا لا يوجد أي نقطة ضعف في حياته؛ فهو لم يسجد لصنم قط، لم يشرب نقطة خمر، ولم يتركب أي فساد، وعلاوة على ذلك، أنه ولد في جوف الكعبة، واستشهد في المحراب، ضرب الكافرين، وقاتل المنافقين، وطبّق الايمان في حياته حتى خسر امبراطورية ضخمة لانه لم يرد أن يبتعد عن الإيمان ولو قيد أنملة.
أمير المؤمنين، عليه السلام، ميزان في كل شيء، فمثلا في مسألة الحُكُم، فعلي هو الميزان سواء في الذي يحكم، او في الانسان الذي يجب ان يسقط، فمن يكون قريبا من أمير المؤمنين، في معاملته، وطريقته يجب ان يبقى، أما من يكون بعيد عن الإمام يجب ان يسقط.
إن من واجبنا ان نجعل في قلوبنا إماماً نقيس به أعمالنا، وطريقة حياتنا، ومجمل سلوكنا في الحياة، ويعني ذلك ان نستشعر الإمام لو كان حاضرا ماذا كنّا عاملون؟ مثلا إذا وجدت نفسك على معصية تذكر الإمام فماذا ستعمل؟
المؤمن يبقى ميّالا الى أمير المؤمنين، عليه السلام، لانه صادق مع نفسه، ولذا فهو يحب الإمام من أعماق نفسه، لانه وجد الانسجام الكامل مع هذا الحب، فهو صادق في نفسه ومنسجم مع الناس، وهذا معنى كلام أمير المؤمنين: لو ضربت خيشوم المؤمن..”.
“ولو صببت على الدنيا على المنافق ما احبني” والسبب واضح؛ لان المنافق لا يرى الانسجام بينه وبين أمير المؤمنين، ومن الشواهد المشهور عبدالرحمن بن ملجم قاتل أمير المؤمنين، إذ كان عبدا فأعتقه أمير المؤمنين، فكان منه فيما بعد قتل الإمام في محراب مسجد الكوفة.
قال الإمام الباقر، عليه السلام: “ان الله نصب عليا علما بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا ومن نصب معه كان مشركا ومن جاء بولايته دخل الجنة ومن جاء بعداوته دخل النار”.
الإمام هو الميزان في الجانب الغيبي الذي ورد على لسان رسول الله، صلى الله عليه وآله، أما بالمعنى الواقعي لمعنى الميزان والمقياس، فإن هذا الامر يمتد الى أولياء أمير المؤمنين، ومحبيه، والذين اتبعوا نهجه، فالمؤمن يحب نهجهم، ويبغض نهج اعدائهم.
وقد جاء في الحديث الشريف: “من سره أمحب لنا ام مبغض فليمتحنن قلبه فإن كان يحب ولينا فليس بمبغض لنا وإن كان يبغض ولينا فليس بمحب لنا”.
إن من واجبنا ان نجعل في قلوبنا إماماً نقيس به أعمالنا، وطريقة حياتنا، ومجمل سلوكنا في الحياة، ويعني ذلك ان نستشعر الإمام لو كان حاضرا ماذا كنّا عاملون؟ مثلا إذا وجدت نفسك على معصية تذكر الإمام فماذا ستعمل؟
وبمقدار ما يقرب المؤمن الى الايمان يقترب الى الإمام، لانه لا يمكن الفصل بينهما، قال النبي الأكرم: “اني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ان اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يرد عليَّ الحوض”. فلا يمكن ان يحب شخص أمير المؤمنين، ولا يحب القرآن الكريم، يرتاح الى الإمام ولا يرتاح الى الإسلام، فالتقرّب الى الإمام هو التقرّب الى الاسلام والى الايمان، فليس المقياس هو الشخص بما هو لحم ودم.
من يحب أمير المؤمنين، عليه السلام، يجب ان يجسد في حياته أخلاق، وصفات أمير المؤمنين، أما ادعاء الحب فقط لا يكفي، فهو أسوة وقدوة، ومعنى أن يكون إمامُنا يعني أن نسير خلفه ونتبعه في كل شيء.
___
(مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرّسي).