عيد الغدير هو اليوم الذي تم فيه تتويج أمير المؤمنين، عليه السلام، خليفة للمسلمين من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد أُعلِن هذا التتويج في خطبة الوداع للرسول الكريم، صلى الله عليه وآله، بعد أن ورد الأمر الإلهي بإعلان هذه القضية على الملأ، وتم هذا الإعلان على لسان الرسول صلى الله عليه وآله بنفسه.
ومن القضايا التاريخية التربوية المتَّفَق عليها، أن الإمام علي، عليه السلام، تربّى في رحاب ابن عمه الرسول الكريم ونهل من مدرسته الكثير الكثير، وهذا يعني أن شخصية أمير المؤمنين بُنِيَت في هذه المدرسة، ونهلت من علومها وأخلاقها وأفكارها وسلوكياتها، لهذا فإن الصفات التي تحلّى بها رسول الله، صلى الله عليه وآله، أخذها عنه تلميذه النجيب علي ابن أبي طالب، عليه السلام.
يتضمن منهج الغدير حيّزاً للتثقيف، فهناك دعوات متواصلة للشباب وغيرهم أن يتثقفوا، والثقافة تعني أن يكون الإنسان واعيا لما يدور حوله، عارفا بخفايا الواقع المختلفة، وهاضما جيدا للأفكار
ثقافة الغدير هي المنهج التربوي الأخلاقي السلوكي الذي رسمه أمير المؤمنين بنفسه، وصنعه كأفكار أولا، ثم جسده في التطبيق وأحال تلك القيم والأفكار إلى تطبيق في واقع المسلمين، ولذلك قامت ثقافة الغدير على مرتكزات أساسية مهمة، يمكننا التطرّق إليها على النحو التالي، لكي ينهل منها ويتعرّف إليها شبابنا الكرماء:
أولا: ركن العدالة
يقوم منهج الغدير للإمام علي، عليه السلام، على ترسيخ قيمة العدالة في المجتمع، ليس في الجانب اللفظي لها، فهي قيمة عظيمة وركن كبير لتطور المجتمع وإرساء التقدم والتطور فيه، لاسيما بالنسبة لشريحة الشباب، والعدالة تعني عند أمير المؤمنين أن ينال الجميع فرصهم العادلة، وأن يتم ذلك وفق معايير غير منقوصة وخالية من التفضيل الخاطئ.
ولذلك فإن ثقافة الغدير توجب على كل شاب أن يتمسك بها كقيمة تعدل بين الشباب أنفسهم، ومن ثم بين أبناء الوطن من دون تمييز أو تفضيل قائم على الغبن والظلم، كما لابد للشباب أن ينشروا هذه الثقافة، ويرسخّوا هذا الركن في سلوكهم، وفي داخل عوائلهم، ولابد أن يؤثّروا في المقربين منهم، أخوة و أصدقاء و زملاء، بل حتى الأفراد الغرباء مطلوب من الشباب نشر ثقافة العدالة الغديرية فيما بينهم.
ثانيا: ركن التعليم
يضع الإمام أمير المؤمنين علي، عليه السلام، قيمةً عليا للتعليم، ومكانة مهمة جدا في المجتمع، ويحث الإمام على العلم، ويطالب الجميع بأن يبذلوا كل ما في وسعهم لكي يتعلموا، ولهذا نقرأ كلمته الشهيرة التي قال فيها “أطلبوا العلم ولو كان في الصين”، وهذا يعني حتى لو كان العلم بعيدا عليك أن تسعى إليه، وتقوم بما يلزم لكي تتعلم، ومن ثم تعلّم الآخرين ما تعلّمته.
هذا الركن الذي يتعلق بالتعليم، يجب أن يتمسك به الشباب، وأن يقوموا أولا بتعليم أنفسهم، وذلك من خلال استثمار جميع الفرص المتاحة، ومن الجدير بالذكر أن هناك مشاهد وحالات راقية موجودة في واقعنا اليوم، حيث نشاهد العديد من الشباب يواصلون تعليمهم ويعملون في أعمال بعضها صعبة في نفس الوقت، وهذا التوجه هو جزء من ثقافة الغدير التي تطالب الشباب وضع العلم في المقدمة، لهذا نرى شبابنا يتعلّمون وفي نفس الوقت يعملون.
ثالثا: ركن الثقافة
ثقافة الغدير هي المنهج التربوي الأخلاقي السلوكي الذي رسمه أمير المؤمنين بنفسه، وصنعه كأفكار أولا، ثم جسده في التطبيق وأحال تلك القيم والأفكار إلى تطبيق في واقع المسلمين
يتضمن منهج الغدير حيّزاً للتثقيف، فهناك دعوات متواصلة للشباب وغيرهم أن يتثقفوا، والثقافة تعني أن يكون الإنسان واعيا لما يدور حوله، عارفا بخفايا الواقع المختلفة، وهاضما جيدا للأفكار، لاسيما أن عالمنا اليوم يطرح كل الثقافات الجيدة والرديئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الميديا شوسيال، لذلك يجب أن يكون الشاب مثقفا واعيا حتى لا يقع ضحيةً للخداع والتضليل التثقيفي الفكري المغرض.
رابعا: ركن القيم الصالحة
تتضمن ثقافة الغدير مكانةً كبيرةً للقيم الأخلاقية والإنسانية العالية، وهذا القيم تتضمن تهذيب السلوك عبر القيم، واحترام الدِين، ومعرفة العقائد وتشذيبها من التطرف، والعمل وفق رؤية الغدير للإمام علي كما نقرأ في قوله الشهير لمالك الأشتر “الناس صنفان، أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”، وهذا يعني عدم التفريق بين الناس وتمييزهم وفقا لألوانهم أو أعراقهم أو انتماءاتهم المختلفة، فالإنسان أخوك إما بالدين أو نظيرك بالإنسانية. هكذا يتعلم شبابنا من قيم الغدير، ومن الأفضل لهم أن يهضموا هذه الثقافة، ويتمسكوا بها، وينشروها بين أقرانهم أينما كانوا، فثقافة الغدير تعني العدل والثقافة والعلم والقيم الأخلاقية الكبيرة، فإذا تسلّح بها شبابنا، هذا يعني نشوء شريحة شبابية غديرة مكتملة الصفات، وحتما سيكون لها دورها الكبير في المجتمع وتأثيرها في نشر ثقافة ومنهج الغدير العادل في هذا المجتمع.