الشعور باللاجدوى حالة غير صحية، لا يصح أن تركها تتفاقم وتتفشى بين أوساط الشباب على وجه الخصوص، لأنها تؤدي بهم في نهاية المطاف إلى اليأس من الحياة، والنظر إليها بسوداوية مؤلمة، بحيث لا يرى الشاب أية فائدة من هذه الحياة، ولا يرى الجوانب الإيجابية الكثيرة التي ترافق حياته؛ بدءاً من صحته الجسدية، وهي نعم الصحّة، مثل؛ البصر، والسمع، والتذوق، والشمّ، والخيارات الكثيرة لمحاسن الحياة وسواها.
لهذه الحالة أسبابها الفعلية التي تتفاقم في واقع الشاب، ثم تتحول تدريجيا إلى مشكلة نفسية شعورية، ترافق الشاب وتؤثر عليه وتصيبه بنوع من اليأس وتشلّ تفكيره، وتمنعه من التواصل مع أقرانه، وتجعله في حالة عزلة، لا يرى في الحياة ميزات ومحاسن تستحق أن نعيشها ونستفيد منها، ودرجة اليأس هذه لها أسبابها الكثيرة.
من هذه الأسباب عندما يتعرض الشاب للإهمال التام، سواء داخل العائلة، أو في المدرسة، أو في العمل، والإهمال الحكومي، وفي هذه الحالة يصبح الشاب متغرباً في وسطه الاجتماعي، تتفاقم اللاجدوى في تفكيره، فيشعر بأنه وحيد، وغير مرغوب به، وهكذا يصبح عاجزا عن الاختلاط بأقرانه، ولا يمكنه التفاعل معهم، ولا يشاركهم نشاطاتهم المختلفة، ويعزل نفسه طوعياً كأنه يريد أن ينفي نفسه بشكل طوعي ويبتعد عن الجميع.
الخطر في مثل هذه النتائج، أن المجتمع يخسر أحد أفراده، وخسارة الشباب تعني خسارة طاقة هائلة، ولا يتوقف الضرر عند هذا الحد فقط، فهناك خشية كبيرة من انتشار هذه الحالة فتتحول من حالة فردية قليلة، إلى حالة جماعية أو ما يشبه الظاهرة، في هذه الحالة يكون الخطر مجتمعيا، ونحصل على شريحة شبابية عاجزة ومشلولة وغير قادرة على المساهمة في بناء الحياة بسبب شعورها الجماعي بلا جدوى الحياة!
🔺 صحيح إن الجهات الأخرى مسؤولة عن مساعدتك والوقوف إلى جانبك، ولكن إذا استمر الإهمال وعدم إبداء المساعدة، عليك أن تشحذ قدراتك الموجودة في أعماقك، حيث أودع الله تعالى قدرات هائلة فيك
وهكذا تتسبب هذه الحالة الشبابية بمخاطر عديدة لا يمكن التغاضي عنها أو إهمالها أو النظر إليها على أنها من الأمور أو القضايا العابرة، فبعض الناس لا يبادرون لمعالجة المشكلات لأسباب عديدة، وهناك من يقول أن المخاطر تزول وحدها، أو أن هذا الشعور بلا جدوى الحياة لا يستمر إلى الأبد، أو هناك من يقول إن العلاج يأتي وحده بدون سعي للقضاء عليه، ولكن هذه تبريرات ليست صحيحة وغير فاعلة، ولا تحقق القضاء على هذا النوع من الحالات الشعورية النفسية التي تحطم إرادة الشاب وتشل حركته وتحيّد طاقاته.
ما المطلوب إذن؟ وكيف يتخلص الشاب من هذه المشكلة الشعورية النفسية المؤذية؟
هناك من يحث جهات عديدة على إنقاذ الشباب من هذه الحالة، وهذه الجهات معروفة ويقع هذا العمل ضمن مسؤولياتها، كالجهات الثقافية والمنظمات المدنية والحكومية الخاصة برعاية الشباب، و وزارة الشباب ومرافقها المختلفة، كل هذه العناوين مسؤولة عن مساعدة الشباب على التخلص من الشعور باللاجدوى، هذا أمر صحيح، لكن هذه الجهات غالبا ما تتنصل من مسؤوليتها، ولا تتصدى لمهمة مساعدة الشاب على النظر للحياة بأنها تتطلب الاهتمام والتخطيط والتنظيم والشعور الإيجابي بها.
في هذه الحالة، عندما يتخلى عنك المسؤولون والجهات ذات العلاقة، ولا يمدّون لك يد العون والاستشارة وغيرها، فإنك هنا ملزم بإنقاذ نفسك، وعليك أن تستنفر قدراتك الذاتية كشاب في مقتبل العمر والحياة، وتنتفض ذاتيا، وتنفض عن نفسك وقلبك وشعورك غبار اليأس المتراكم عليها، صحيح إن الجهات الأخرى مسؤولة عن مساعدتك والوقوف إلى جانبك، ولكن إذا استمر الإهمال وعدم إبداء المساعدة، عليك أن تشحذ قدراتك الموجودة في أعماقك، حيث أودع الله تعالى قدرات هائلة فيك، يمكنك العودة لها واستنهاضها، والشروع بخوض غمار الحياة من دون يأس وتراجع.
هناك مفكر يقول إن الحياة عبارة عن سلسلة متواصلة من المشاكل، فحين تحلّ مشكلة، تقفز لك مشكلة أخرى وهكذا تستمر حياتك في خلق المشاكل لك، فأما أن تستسلم لها وتهزمك، وأما أن تقف في وجهها فتصبح من العظماء الخالدين، نعم أنت بمقدورك أن تكون عظيما عندما تتخلى عن الشعور بلا جدوى الحياة، ويمكنك أن تخلد عندما تواجه سلسلة مشاكل الحياة بلا كلل ولا ملل، وأنت قادر على ذلك حتما.
في النهاية شبابنا قادرون وأنا من بينهم على التصدي بقوة لمشكلة الشعور بلا جدوى الحياة، عبر ملء الفراغ، والتعامل بإيجابية مع الحياة، وتحريك القدرات الذاتية، واعتماد الشاب على نفسه بالدرجة الأولى، فيثقف نفسه ويطور مؤهلاته وخبراته، وينشط ويتحرك ويبحث عن الفرص المتوفرة، ويبتكر حياته بنفسه ولا يخضع مطلقا لهذا النوع من الشعور كونه أقوى وأكبر منه.