أربعون يوما مرّت علينا منذ الأول من محرم، وإلى يومنا هذا، حيث ذروة شعيرة زيارة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، أيام مختلفة في كل شيء، قد يصعب وصفها، لكن عنوانها واضح ومعروف، إنه الإيمان، والأمان، والتعاون، والمحبة، والتكافل، ونكران الذات، نعم الأربعين الحسيني، يجمع كل القيم التي تبني إنسانا كبيرا بإنسانيته ودينه وعقيدته، وتبني مجتمعا متماسكا بالقيم العظيمة التي يتمسّك بها.
أربعون يوما عشناها كأنها لحظات لا أكثر، ونحن نستقبل زائري أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، من كل مدن وبلدان العالم، يحملون قلوبا مؤمنة متلهّفة للوصول إلى كربلاء المقدسة ولقاء الإمام، عليه السلام، وتقبيل ضريحه، والبكاء في حضرته، والدعاء بالشفاعة عند الله تعالى لمراد شخصي وعام، كلٌ له قصته ومراده ولهفته وقلبه، فمنذ لحظة الانطلاق إلى كربلاء المحبة والإيمان، يكبر أمل الزائر بالوصول إلى قباب الذهب، وإلى منائر الأضرحة الزاهية، وإلى أنوار الله في أرض كربلاء المقدسة.
⭐ أربعون يوما عشناها كأنها لحظات لا أكثر، ونحن نستقبل زائري أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، من كل مدن وبلدان العالم، يحملون قلوبا مؤمنة متلهّفة للوصول إلى كربلاء المقدسة ولقاء الإمام، عليه السلام
يكبر الأمل وينمو مع كل خطوة تقرب الزائر من ضريح الإمام الحسين، عليه السلام، وهو يحلم في لحظة الوقوف بين يدي سيد شباب أهل الجنة، والبكاء والدعاء في حضرته، وخلال السير الطويل عبر الطرق الواسعة الطويلة المؤدية من مدن العراق كله إلى كربلاء المقدسة، يبتهج الزوار بما يرونه من مشاعر المحبة وحسن الاستقبال والخدمات الكريمة التي يستحقها ضيوف أبي عبد الله الحسين وأخيه العباس، عليهما السلام.
يلمسون لمس اليد الكرم العراقي الأصيل، وهو واجب عليهم وليس منةً منهم، وهذه من خصال هؤلاء الناس الطيبين، وهم محبو أهل البيت، وموالون للحسين،عليه السلام، ومناصرون للقيم التي رفع لواءها سيد الشهداء منذ أن بدأت ملحمة الطف العظيمة، إنهم يفرحون بزائري كربلاء المقدسة، وعندهم نفس اللهفة الموجودة في قلب الزائر الذي يتمنى الوصول إلى كربلاء ساعة قبل ساعة ولحظة قبل لحظة.
وكثيرا ما نسمع في المواكب الحسينية ومن أصحابها والمقيمين على خدمة الزائرين فيها، نسمع حوارات بينهم، أنهم لا يزلون مقصّرين في حق زوار الحسين، عليه السلام، وإنهم كذا وكذا يلومون أنفسهم لأنهم لا يقدمون ما يتمنون للزوار، ولكنهم يفرحون بهم ويرحبون ويستقبلونهم بقلوب نقية ملؤها المحبة والإخاء والتراحم، وكيف لا وهؤلاء زوار أبي عبد الله قاصدين ضريحه وشفاعته، ومناصرين للحق الحسيني وللصوت الحسيني الذي هز عروش الطغاة على مر التاريخ.
كل زائر من زائري أربعينية الإمام الحسين، عليه السلام، يلتقط مشاهد لا تحصى، ويسمع أحاديث كثيرة وكبيرة، وتلتقط عيناه مواقف يخزنها في الذاكرة وينقلها للآخرين، مشاهد الكرم الحسيني الكبير الذي يتصف به محبو أهل البيت، ومواقف الأخلاق والمحبة، ومواقف الأخوّة، أخوة الدين والإنسانية، وفي نفس الوقت يخزن، خدام الحسين، في ذاكرتهم مواقف لا تُنسى من الزوار الكرام، تظهر في وجوههم وعيونهم وأقوالهم وسلوكياتهم.
إنها المحبة المتبادَلة بين زائر الأربعين وبين خادم الإمام الحسين، محبة رابطها الوثق حب أهل البيت، والتمسك بالقيم العظيمة التي أعلنها الإمام الحسين على رؤوس الأشهاد ولم يتراجع عنها قيد أنملة، بل رفع لواء الحق وتمسك به وقارع الطغاة حتى زلزل عروشهم وأسقطهم من تلك العروش المبنية على الجور والقهر والاستبداد.
⭐ نودّع زيارة الأربعين، وقلوبنا مفعمة بالإيمان والرحمة، وعقولنا متشبثة بالأمل بعودتها والتمسك بقيمها، مع ثبات الولاء القاطع للإمام الحسين عليه السلام ونهضته وثورته وقيمه وفكره الذي أعاد الإسلام إلى مساره المحمدي
نعم هي مواقف لا تُنسى، يحملها الزائرون في الذاكرة، وكذلك يخزنها خدام الحسين في الذاكرة، ليعيشوا على أريجها ونعمتها ورحمتها سنة كاملة حتى يحين موعد الأربعينية القادمة، وها هما الطرفان (الزائر و الخادم الموالي)، يستعدان لوداع الزيارة الأربعينية، بعد أن بلغت يومها الموعود، وذروتها التي بلغت الملايين من أحباب الحسين، عليه السلام.
فكل موكب تجده مرسوما في ضمير الزائر، وكل خدمة حسينية لن ينساها أبدا، وكل لحظة من لحظات التآزر والتعاون والكرم تبقى في قلبه إلى الأبد، مثلما يمتن خادم الحسين من الزائر الكريم لأنه متفضل بزيارته (وصاحب خطوة) ومن أبسط حقوقه أن تكرمه بكل ما تتمكن من تقديمه حتى يشعر بأنه في بيته وبلده ومدينته وبين أخوته في الدين والإنسانية.
نودّع زيارة الأربعين، وقلوبنا مفعمة بالإيمان والرحمة، وعقولنا متشبثة بالأمل بعودتها والتمسك بقيمها، مع ثبات الولاء القاطع للإمام الحسين عليه السلام ونهضته وثورته وقيمه وفكره الذي أعاد الإسلام إلى مساره المحمدي بعد أن حاول يزيد أن ينحرف به نحو مسارات لا يرضى بها الله تعالى ولا رسوله، صلى الله عليه وآله، فوداعا يا زيارة الأربعين، وداعا يا شعيرة السلم والسلام والتعاون والقيم المثلى، وداعا يا صوت الحق الذي لا يسكت أبدا.