يَغفل الكثير من الناس ان الانسان ليس خدش او ضرب او كسر عضو مادي منه هو ما يؤذيه فقط، فيسيئون لأقرانهم واهلهم وذويهم وزملائهم في العمل أنواع الاساءات المعنوية التي لا تحتمل، هذا الغياب لفهم الأثر النفسي على المجني عليه هو انتهاك لحرمة الانسان المعنوية التي ترتبط بالمشاعر الإنسانية وما يترتب عليها من عائدات نفسية، فماهي أشكال انتهاك الحرمة المعنوية للإنسان؟ وكيف يجب حفظها وصيانتها؟
كل التشريعات السماوية ومنها الاسلام الحنيف اولى اهتماماً لكرامة الانسان واحترام ذاته وعدم المساس بها لكونها تدعم وجوده في الحياة وتمنحه الوقود اللازم للمواصلة، فحاجات الانسان وحقوقه ليست مادية فقط انما لديه حاجات نفسية معنوية وروحية يجب احترامها وعدم التعدي عليها بأي شكل من الاشكال لان حرمة الانسان مستمدة من حرمة الله فهو خليفته في الارض وحامل لوائه لأعمارها واصلاحها.
⭐ اخلاقياً يعتبر التعدي على حقوق النظير الانساني انتهاك لإنسانية الانسان، واحترام الاخر هو اجب اخلاقي تقر به جميع القيم
اخلاقياً يعتبر التعدي على حقوق النظير الانساني انتهاك لإنسانية الانسان، واحترام الاخر هو اجب اخلاقي تقر به جميع القيم، فأنت ايها الانسان وان كنت لا تمتلك التزاماً دينياً يفترض انك تمتلك التزاماً اخلاقياً يجعلك تحترم كل ما يخص الاخر وعدم انتهاك خصوصيته وكرامته، لكون صاحب الاخلاق يضع نفسه محل الاخر ويفترض فيما لو اعتدي عليه بذات الطريقة ماذا ستكون نفسيته ومزاجه وبالتالي يبتعد ايذاء الاخر.
- كيف تنتهك حرمة الانسان المعنوية؟
أشكال الإيذاء المعنوي متنوعة جميعها تُمارس في كل يوم تقريباً وجميعها تؤذي الانسان وتنال من صحته النفسية ومن اهم هذه السلوكيات المؤذية هي:
1-الغِيبة التي اصبحت اليوم مستشرية بصورة تفوق الوصف فلا يكاد مجلس ولا تجمع يخلو منها، وتمثل الغِيبة إحدى اكثر افعال الانسانية بشاعةً، لان المغتاب يستأنس على نشوة ذكر عيوب اخيه بينما يحترق المغتاب الماً لما قيل عنه حين يعلم، سيما ان الذي سيتغيب بحضور جمع الناس سيذكر كل ما يضحك الانسان ولو الحقيقة وعلى حساب مخالفة شرع الله وقيم الانسانية.
2-ينتهك الانسان حرمة أخيه الانسان في التهجم عليه واهانته ببعض الالفاظ الجارحة والنابية التي ينبغي لكل انسان عاقل ان يترفع عنها، ومن صور الإهانة هي الانتقاص من احدهم في مجلس ما لمجرد قال معلومة ليست دقيقة ولكونه انسان عادياً ليس من أصحاب الألقاب (السيد، الشيخ، الدكتور، الأستاذ) فيُهان بهذه الطريقة او ان كلامه لا يُقام له وزناً وهي إهانة من نوع آخر أيضا.
3-يُعتدى على الروح المعنوية عبر التفريق في المجاملات والقاء التحية والترحيب، فلو قدم الضابط الفلاني الى مجلس عزاء ترى الناس تتهاوى عليه لترحب رغم علمهم بكونه سارق او مخالف للقانون او نصاب، بينما يدخل ذلك الانسان المحترم الهادئ ويخرج دون ان يتلقى عشر تلك الحفاوة ولا اعرف ما لمعيار؟ وهذا السلوك العجيب حتماً سيؤثر في نفس الانسان الحر ويحرق قلبه.
⭐ الانتقاص من الانسان وتحقيره والتعالي عليه هي احدى صور الاعتداء على الروح المعنوية للانسان
4- الانتقاص من الانسان وتحقيره والتعالي عليه هي احدى صور الاعتداء على الروح المعنوية للانسان، فللأسف اقول: ان مجتمعنا يعجُّ بأشكال الانتقاد على الملبس والمنطق سيما ونحن في العراق متنوعي اللهجات الذي هو امر طبيعي جداً، لكن للأسف يَستخدم المتنمرون هذا الامر كسبب للانتقاص من الناس واحراجهم وجرح مشاعرهم وكأن المنتقِد كامل الاوصاف وليس لديه ما ينتقد.
5- محاولة التقليل من شأن الانسان الناجح والحط من نتاجه هو الاخر ضرباً من ضروب انتهاك الحرمة المعنوية للانسان فقد نلحظ على الدوام ان مجموعة من الناس يتحدثون عن اختصاص الدكتوراه لاحد ويحاولون التقليل من اهميته في الحياة ويصفونه بالفاشل، وهم في الحقيقة يتمنون الحصول على نصف المرتبة العلمية التي حصل عليها ولم يتمكنوا من ذلك فيقمون بدافع الغيرة والحسد بالتقليل منه وهذا احد امراض المجتمع الواسعة النطاق.
6- فضح الفقير وذكر اسمه في المجالس عند اعطائه من رزق الله وان كان شيئاً بسيطاً يعد انتهاك لحرمة المعنوية، فلا يصدق البعض ان ساعد فقيراً حتى يقوم بذكره عند كل مجلس ولا يهمه ان كان الامر سيؤذي ذلك الفقير فأين هو (المنتهك) من علي بن ابي طالب عليه السلام، حين كان يضع اللثام على وجهه لكي لا يرى في وجه السائل ذله وفي نفسه عز المسؤول؟ كل هذه الصور السلوكية التي ذكرناها هي صور لانتهاك الروح المعنوية للانسان ينبغي الابتعاد عنها ما استطعنا لكي تدوم الانسانية فينا.