أسوة حسنة

تراث الإمام الرضا في رحاب العقل والعلم والمعرفة

انه الإمام علي بن موسى الكاظم بن الامام الصادق، عليهم السلام اما امه فهي ام ولد قيل هي خيزران المرسية من مدينة مرسية المغربية، وقيل  أروى الجنوبية وقيل  الخيزران وقيل نجمة ولقبها شقراء، وقال الكليني: “ام البنين”، والظاهر انه كنية لها وقيل اسمها تكتم وفي ذلك يقول الشاعر مدحه للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام:

الا إن خير الناس نفساووالدا

ورهطاواجداداعلي المعظم

اتتنا به للعلم والحلم ثامنا

اماما يؤدي حجة الله تكتم

ولادته اختلف المورخون في سنة ولادته و المشهور ولدفي السنة التي استشهد فيها جده الصادق، عليه السلام.

واشرقت الأرض بمولده، عليه السلام، فقد ولد خير اهل الأرض وأكثرهم عائدة على الإسلام وسرت موجات من السرور والفرح عند ال النبي، صلى الله عليه وآله، وقد استقبل الإمام الكاظم، عليه السلام، النبأ بهذا المولود بمزيد من الابتهاج وسارع إلى السيدة زوجته يهنيها بولدها قائلا: “هنيئا لك يانجمة كرامة لك من ربك”، واخذ وليده المبارك وأجرى عليه المراسيم الشرعية ثم رده إلى امه وقال لها خذيه فإنه بقية الله في أرضه.

⭐ الشيء البارز في شخصية الإمام الرضا، عليه السلام، احاطته التامة بجميع انواع العلوم والمعارف، فكان باجماع المورخين والرواة اعلم اهل زمانه

لقد استقبل سليل النبوة اول صورة في دنيا الوجود صورة ابيه إمام المتقين وزعيم الموحدين واول صوت قرع سمعه هو “الله اكبر ولا إله إلا الله” وهذه الكلمات المشرفة هي سرالوجود وانشودة المتقين.

 الشيء البارز في شخصية الإمام الرضا، عليه السلام، احاطته التامة بجميع انواع العلوم والمعارف، فكان باجماع المورخين والرواة اعلم اهل زمانه، و افضلهم وادراهم بأحكام الدين وعلوم الفلسفة والطب وغيرها من سائر العلوم، و كان المرجع الأعلى في العالم الإسلامي الذي يرجع اليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة والفروع الفقهية وأشار الإمام الكاظم، عليه السلام، قائلا: “هذا أفقه ولدي قد نحلته كنيتي”.

في نسخة العهد الذي كتبه المأمون بيده للإمام الرضا، عليه السلام، حين جعله وليا للعهد من بعده جاء الاعتراف بفضل الإمام الرضا، عليه السلام، وبمكانته العلمية الشامخة حيث كتب المأمون: لما رأيت من فضله البار وعلمه النافع وورعه الباطن الظاهر،  وقال ايضا: “ما أعلم أحدا افضل من هذا الرجل  ـ يعني الإمام الرضا ـ على وجه الارض.

  •  من عمالقة الفكر في الاسلام

وهو ممن صنع للمسلمين حياتهم العلمية والثقافية وقد دلت مناظراته في خراسان والبصرة والكوفة على ذلك إذ سُئل عن أعقد المسائل فاجاب عنها جواب العالم الخبير المتخصص وقد اذعنت له جميع علماء الدنيا في عصره واقروا له بالأفضل والتفوق عليهم.

 كان الإمام الرضا، عليه السلام، مفزع العلماء وملجأ اهل الفكر والمعرفة يناظر علماء التفسير، ويحاور اهل الفلسفة والكلام، ويرد على الزنادقة والغلاة ويوجه اهل الفقه التشريع ويثبت قواعد الشريعة وأصول التوحيد، وبالتالي أصبح محور التوجيه ومركز الإشعاع ومنطلق الاصالة والنقاء.

 ذكر المورخون ان محمد بن عيسى اليقطيني قد جمع خمس عشر ألف مسألة من المسائل التي أجاب عنها الإمام وان مجلسه كان المرجع و المأوى لطلاب العلم واساتذة المعرفة كلمته الفصل والحسم للمتنازعين.

  • دور الإمام الرضا في الإصلاح الفكري والديني

 وضح الإمام الرضا، عليه السلام، حقيقة التامر الفكري في بلبلة عقول المسلمين وأعطى قاعدة كلية في الأساليب التي يستخدمها اعداء الإسلام لتشويه الأفكاروالمفاهيم الاسلامية.

قال الإمام الرضا، عليه السلام: “يا بن أبي محمود إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة: أحدها الغلو، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا، وقد قال الله عز وجل: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم”.

⭐ كانت للإمام الرضا، عليه السلام، مدرسة حية في خراسان تتقوم بعناصر عالمة متعلمة ذات ثقافة رسالة فريدة وهذه المدرسة تُعدٌ جزاءً من التراث الحي للإمام الرضا

اتخذ الإمام، عليه السلام، أساليب عدة في مجال الإصلاح الفكري من اهمها الرد على الانحرافات الفكرية.

تصدى الإمام، عليه السلام، للرد على جميع الوان الانحراف الفكري من أجل كسر  الألفة بين المنحرفين وبينها وكان يستهدف الأفكار والأقوال تارة كما يستهدف الواضعين لها والمتاثرين بها تارة أخرى

 كان له ردود عديدة على المشبهه والمجبرة، والمفوضة، والغلاة والمجسمة واصحاب التفسير بالرأي والقياس، كما أن له ردود على الفرق غير الاسلامية كالزنادقة واليهود والنصارى وغيرهم.

  •  دوره الإمام الرضا في نشر الأفكار السليمة

ابتدأ الإمام الرضا، عليه السلام، بالرد على الأفكار المنحرفة ثم امر بمقاطعة واضعيها والقائلين بها والمتاثرين بها لتطويقها في مهدها، والحيلولة دون استشرائها في الواقع كما عمل على نشر الأفكار السليمة لتتم المحاصرة من جميع الجوانب.

قام، عليه السلام بتفسير الآيات القرآنية التي تتناول أصول وقواعد العقيدة و الشريعة ويهتم بنشر الأحاديث الشريفة عن ابائه، وعن رسول الله، صلى الله عليه واله وسلم، لكي تكون هي الحاكمة على افكار  وتصورات المسلمين وكان، عليه السلام يستثمر جميع الفرص المتاحة لتبيان الفكر السليم والمفاهيم الشرعية الصحيحة، ونشر الأفكار الاسلامية يشكل الركن الأساسي في الإصلاح الفكري لأنه يستبدل فكرا بفكر ورأيا برأي وتشريعا بتشريع.

  •  إرجاع الأمة إلى العلماء

 بعد توسع القاعدة الشعبية لأهل البيت عليهم السلام، وصعوبة الالتقاء بالامام الرضا، عليه السلام، باستمرار قام بإرجاع  الأمة إلى عدد من العلماء لأخذ معالم دينهم فعن عبد العزيز  بن المهندي قال: سألت الرضا فقلت: إني لا القاك في كل وقت فعن من أخذ معالم ديني؟

 قال، عليه السلام: خذ من يونس بن عبد الرحمن.

 و كان له اتباع من الفقهاء منتشرون في جميع الامصار يرجع إليهم انصاره وسائر المسلمين لأخذ معالم دينهم من عقائد وتشريع وأحكام؛ منهم احمد بن محمد البيزنطي والحسين بن سعيد الاحوازي، لقد اتاح المأمون من حيث لا يشعر فرصة ذهبية لظهور علم الإمام، عليه السلام، وبروزه إلى الساحة الاجتماعية وتحديه لكل العلماء الذين جمعهم  لتضعيف الإمام، عليه السلام من خلال المواجهه العلمية التي جمع من أجلها علماء الفرق والاديان.

من هنا كانت للإمام الرضا، عليه السلام، مدرسة حية في خراسان تتقوم بعناصر عالمة متعلمة ذات ثقافة رسالة فريدة وهذه المدرسة تُعدٌ جزاءً من التراث الحي للإمام الرضا، عليه السلام، وهي بُعدٌ متميز من تراثه الثري.

ومن أقواله عليه السلام: “العقل حباء من الله والادب كلفة فمن تكلف الأدب قدر عليه ومن تكلف العقل لم يزدد إلا جهلا”. ويقول: “ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم وإنما العبادة التفكر في أمر الله عز وجل”.

وقال عليه السلام: “ما استودع الله عبداً عقلاً إلا استنقذه به يوما”.

من المؤكد وباجماع الرواة والمورخين كان، عليه السلام، عملاق الفكر الإسلامي، وكانت علومه امتداداً ذاتياً لعلوم ابائه الائمة الطاهرين عليهم السلام، الذين هم خزنة علوم النبي، صلى الله عليه وآله وورثة حكمته.

السلام عليك أيها الإمام الرؤوف.

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا