مناسبات

ليلةٌ في محراب الحزن

حزينة أرضنا، أنجمنا والقمر، والطير والبشَر، البحرُ والنهر، الرمل والحجر، الماء والشجر، وكيف لا يحزن الكون لاستشهاد الإمام الأعظم علي بن أبي طالب، عليه السلام، في محراب الصلاة، كيف لا يحزن الجميع في هذه المناسبة الأليمة العظيمة، إنه أمير المؤمنين وأبو اليتامى والمعوزين، وصانع العدالة وناصر الفقراء، وقدوة الشباب، ومعلّمهم وأسوتهم.

نعم نحن حزانى، تغصّ قلوبنا بالألم، وتلوب أرواحنا من شدة ووطأة المصاب الجلل، لا يكفي الحزن، ولا يطفئ البكاء نيران القهر التي تهجم على قلوبنا وأرواحنا، نحن الذين نرى في إمامنا، عليه السلام، مثالا على قمة الحق، ناصرا للمستضعفين، ومعينا للفقراء والأيتام والمساكين، ومعلّما للناس على كيفية التعامل السليم، والحفاظ على الحقوق.

⭐ العدالة والإنصاف والأمانة هي القيم التي تُقاد وتُدار بها شؤون المسلمين في دولتهم إبان عهد أمير المؤمنين، هذا الدرس العظيم، يجب أن يفهمه الجميع، بمن فيهم المسؤولون والحكام اليوم في الدول الإسلامية

ذات يوم زاره شخصان، هما من ألدّ أعدائه، زاراه في الكوفة بالمقر الحكومي يوم كان الإمام عليه السلام قائدا أعلى للمسلمين، هذان الشخصان معروفان بعدائهما للإمام، وهو يعرف تماما ما يكنّان له في سريرتيهما من حسد، كأنه يرى بأم عينيه ما يخبّئان له من حقد دفين، دخلا للمقر الحكومي وطلبا اللقاء به، عليه السلام، لمأربٍ (دنيوي سلطوي)، وهو طلب شخصيّ، فقام علي، عليه السلام، وأطفأ السراج (الضوء) الموجود في دار الحكومة، وحينها تعجَّب الزائران من تصرّف الإمام علي وهو المعروف بالكرم والشجاعة، فسألاه لماذا أطفأت السراج يا أبا الحسن؟ فقال عليه السلام: إنّ الوقود الذي يُشعل السراج هو ملْكٌ للأمة وأنتما جئتما في طلب شخصيّ لكما، فهيا بنا أستضيفكما في بيتي..

في الطريق قال أحدهما للآخر، لقد أطفأ (علي) السراج خوفا على ممتلكات الأمة، فهل تظن أنه سيقبل بطلبنا الولاية على (دولتين) إسلاميتين؟ فأجابه الآخر: كلا لا أظن ذلك، وحين وصلوا إلى باب دار الإمام عليه السلام، وطلب منهما الدخول إلى بيته لمناقشة طلبهما، قالا: إن الأمر لا يتطلب ذلك، إنما جئنا لكي نستأذنك بالذهاب إلى العمرة. فقال لهما الإمام: لا يحتاج أن تطلبا مني الأذن بذلك، فالطريق مفتوح أمامكما، كما أنني أعرف الشيء الذي جئتما من أجله.

هما في الحقيقة جاءا ليطلبا الولاية، كل منهما على دولة فرعية، فطمعا بالمنصب القيادي خدمة لمصالحهما وليس لمصالح المسلمين، والإمام علي، عليه السلام، يعرف ويعلم بذلك، فالقائد الذي يخاف الله ـ تعالى ـ من أن يُشعل سراج المسلمين دونما وجه حق، من المستحيل أن يقبل بأي تجاوز على حقوق الناس من أي شخص كان، سواء كان ذا شأن كبير أو بلا شأن ولا مركز اجتماعي أو سياسي.

العدالة والإنصاف والأمانة هي القيم التي تُقاد وتُدار بها شؤون المسلمين في دولتهم إبان عهد أمير المؤمنين، هذا الدرس العظيم، يجب أن يفهمه الجميع، بمن فيهم المسؤولون والحكام اليوم في الدول الإسلامية، كذلك على كبار وصغار الموظفين أن يفهموا ذلك ويطبّقوه في حياتهم العملية، وكذا الحال بالنسبة للشباب، إنها مدرسة سيد البلغاء، وأبي الأيتام، وصرح العلم العظيم، وفنار النور الذي تهتدي به العقول والقلوب، كي تجد ضالتها في مرفأ الحق والعدل والأمان والحقيقة والسلام.

إنها واقعة الحزن العظيم، وهي الأقسى مما تعرضه لنا صفحات التاريخ الإسلامي من وقائع ملطّخة بالظلم والجحود، فالقاتل المجرم الملعون بن ملجم، تلقّى نفحات الرحمة والرعاية العلوية وعاش في كنفها مكرّما ومعزّزا، لكنه ردَّ هذا الجميل الكبير بالغدر الذي تعلّمه في مدرسة أربابه الذين علّموه الإساءة إلى من أحسن إليه.

⭐ الجميع لا يمكنهم الدخول الى مدينة رسول الله المكتنزة بالعلم، إلا عبر علي، عليه السلام، فليدخل الشباب من هذا الباب الواسع، عبر المعرفة والعلم والتخلّق بأخلاق الإمام

هي ليلة للحزن العظيم، وهي مدرسة للتصحيح العظيم أيضا، ليس للحكام والمسؤولين وحدهم، بل لجميع الناس، ومن كل الأعمار، لكن الشباب بحكم قربهم الشديد من أمير المؤمنين، وتعلقّهم به، عليه السلام، يجب أن يدخلوا في هذه المدرسة العلوية الخالدة، ويجب أن يدرسوا فيها كل ما يجعل حياتهم أفضل، ويتعلموا وينهلوا منها أعظم الدروس.

نعم نحن حزانى، تغص قلوبنا بأثقل الأحزان في هذا المصاب الجلل، لكننا كشباب، نعرف جيدا من هو أمير المؤمنين، عليه السلام، وما هو امتداده الأعظم، ومن هو أستاذه ومعلّمه، نعم إنه (مدينة العلم) رسول الله، صلى الله عليه وآله، الذي قال على رؤوس الأشهاد: “أنا مدينة العلم وعليّ بابها”، فمن أين الدخول إلى مدينة العلم النبوية؟ الجميع لا يمكنهم الدخول إلا عبر باب هذه المدينة المكتنزة بالعلم، وبابها هو علي، عليه السلام، فليدخل الشباب من هذا الباب الواسع، عبر المعرفة والعلم والتخلّق بأخلاق الإمام، والتمسك بالقيم التي أدار بها شؤون الأمة، نعم نحن نعيش الحزين الشديد على صريع المحراب، لكننا في نفس الوقت، نتمسك بمنهج الإمام، عليه السلام، ونصحح ما يستوجب التصحيح على مدار الساعة.

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا