{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. (الأعراف: 176).
(كان ياما كان في قديم الزمان)
ما ان نسمع تلك الجملة، حتى نسابق بعضنا البعض للفوز بالمكان الأقرب للجلوس الى جوار والدتي، بعد ان اعيتها الحيلة لتجعلنا نكف عن مشاجراتنا المتواصلة مع بعضنا البعض، حالنا حال جميع الأطفال، نحيط بها من كل جانب ونشخص بابصارنا البريئة اليها في انتظار انطلاقة اول كلمة من قصصها الجميلة.
جملة اكاد اجزم انها من عالم سحري، حروفها لا زالت عالقة في ذهني بما حملته من تربية اصيلة، رسخت في فكري جمالية الاخلاق الانسانية والصفات الحميدة، وفي الوقت نفسه أظهرت عاقبة الجانب السيء لمن يعاكس مفهومها.
(فكان ياما كان) تعد من اهم المهارات الحياتية التي تعلم الفرد أساليب المحادثة والاستماع، لا سيما عند الأطفال منذ وقت مبكر من أعمارهم، والتي ان اهملت تسبب له في المستقبل مشاكل اجتماعية وعاطفية عديدة.
وجميعنا يعلم ان شخصية الطفل هي انعكاس للتجارب التي يمر بها خلال سنوات حياته، ما يتطلب البحث عن طرق وأساليب لتنمية شخصيته، وإدراكه المعرفي، وحصيلته اللغوية منذ الشهور الأولى لولادته، ويمكن القول ان أهم هذه الطرق هي رواية القصص.
⭐ جميعنا يعلم ان شخصية الطفل هي انعكاس للتجارب التي يمر بها خلال سنوات حياته، ما يتطلب البحث عن طرق وأساليب لتنمية شخصيته، وإدراكه المعرفي، وحصيلته اللغوية منذ الشهور الأولى لولادته
حيث تمثل تجربة فريدة من نوعها وممتعة لكل من الأم والطفل، فيمكن البدء بها في وقت مبكر من حياة الطفل، ويكون ذلك إما من كتب مخصصة للأطفال بحسب الفئة العمرية، أو من القصص التي تعرفها الأم منذ طفولتها، أو حتى يمكنها أن تختلق قصصاً من وحي خيالها.
وفي ظل الاجتياح الهائل للتكنولوجيا، وتغلغلها لجميع مفاصل حياتنا، وانبهارنا بما تقدمه لنا من حلول سريعة للتخلص من موجة صراخ طفولية، نرى انفسنا لا شعوريا نسكت تلك الصرخة المسكينة بلعبة الكترونية تم تحضيرها مسبقا في جهاز الايباد!
وهكذا اصبح معظم الأطفال اسرى لقطعة جماد تدور في نفس الدائرة، بلا هدف سوى جعلهم يهدأون ويجلسون في مكانهم دون اتصال مع عالمهم الواقعي، تناسينا وبكل اسف الطاقة السحرية الكامنة في (كان يا ما كان).
البعض ربما يرى تهويل للموضوع برمته، وانه لا يستحق كل هذا الضوء المسلط عليه، لكني أقول وبقناعة تامة ان رواية القصص الى جانب المتعة التي تصاحبها لها فوائد عديدة، منها:
1- تسهم بتطوير دماغ الطفل، وشخصيته، ومهاراته المعرفية والإدراكية، كاللغة، والاستماع، والتحدث، وتمييز الأصوات، والتواصل، والاستيعاب.
2- تثير فضوله للأشياء من حوله، وتحثه على استخدام خياله، إذ تشير الدراسات إلى أن النشاط الدماغي الذي يصاحب قراءة القصص واستخدام الخيال يشبه كثيراً ما يحدث عند التعرض لنفس الموقف في الحياة الواقعية، مما يساعده على إيجاد الحلول للعديد من المواقف.
3- تساعد الطفل في التفريق بين الحقيقي والخيال.
4- تسهم في تعريفه بمفهوم التغيير، والأحداث الجديدة، والمشاعر التي تصاحب هذه المواقف.
5- تعزز الترابط، وبناء علاقة متينة بينه وبين الشخص الذي يسرد له القصص.
6- تساعد في تنمية قدرته على تذكر الأشياء التي حدثت في الماضي، والتحدّث عنها، وذلك من خلال استماعهم لسرد آباءهم للقصص القديمة.
7- تحفزه على مشاركة تجاربه الحياتية، والتعبير عن انطباعاته، من خلال سرده للأشياء التي مر فيها خلال يومه.
8- توسع وتثري معرفته، من خلال فهم تعقيدات الحياة في المستقبل.
9- تحسن سلوكه الاجتماعي، من خلال مساعدته على فهم الآخرين، وإظهار التعاطف معهم.
ومع ما تحمله القصص من فحوى تربوي عظيم، علينا ايضا ان نحذر من سرد بعض القصص التي لا تحقق الهدف المنشود من روايتها للطفل، والتي تسبب نتائج عكسية لا تحمد عقباها، واقصد بها القصص السلبية التي تثير الفزع والرعب كقصص الأرواح الشريرة والعفاريت والمخلوقات الخيالية المخيفة، فهذا النوع يهدم الشخصية الشجاعة التي نحاول ان نرسخها في تفكيره، وتؤسس لشخصية الطفل الجبان، وتقتل الحس الفكري، فيتخيل بالفعل أن هناك من يتربص به في الظلام ليؤذيه فيسبب له اثار نفسية مستقبلية.
⭐ ان تطعيم الدرس بنكهة قصصية، تساعد في خلق جو من السعادة والمتعة للطلبة، كونها تخرجهم من ملل الروتين المعتاد في طرح المعلومة، فترسخها في عقولهم بطريقة غير مباشرة تجعلهم يتذكرونها دائما
وأيضا القصص التي تحتوي على مواقف بعيدة عن القيم إلانسانية أو ألاخلاقية، كالتي تشجع العنف لحل المشاكل، وتجعل القوة البدنية، هي العامل الأقوى في حسم المواقف، الى جانب القصص القائمة على السخرية من الآخرين وتدبير المقالب لهم، والقصص الخيالية المبالغ بها.
وبعد ان عرفنا أهمية سرد القصص للطفل ونجاحها في تربيته، تبادرت الى ذهني هذه الأسئلة:
هل فكرنا يوما بإدخال هذا الفن التربوي ضمن الخطة التدريسية وخصوصا للمراحل الاولية؟
هل من الممكن ان تلعب القصة دورا في التعليم الاكاديمي؟
وان تم تفعيله ماذا سنحصد؟
انا على يقين تام ان مدارسنا تفتقر لهذا الأسلوب التعليمي، فطابع الجدية في إيصال المعلومة هو السائد فيها مع الأسف، بسبب تسارع وتيرة الحياة والتركيز على اكمال المنهج الدراسي باي طريقة ممكنة.
نعم، ان تطعيم الدرس بنكهة قصصية، تساعد في خلق جو من السعادة والمتعة للطلبة، كونها تخرجهم من ملل الروتين المعتاد في طرح المعلومة، فترسخها في عقولهم بطريقة غير مباشرة تجعلهم يتذكرونها دائما، وتساعد في زيادة المشاركة الإيجابية للطلبة في الدرس، خاصة إذا كان هذا الأسلوب مصحوباً بطرح الأسئلة، وبالتالي ستتحقق الغاية المنشودة من التعليم وبطريقة سلسة ومحببة، تشوقهم للدرس بصورة مستمرة. القصة ان لم تكن عنصر جذبٍ واهتمامٍ كبير للصغار والكبار على حدٍّ سواء، وأسلوب قيّم لنقل الأفكار، وتحقيق الأهداف المطلوبة، لما وظفها الله ـ سبحانه وتعالى ـ في القرآن الكريم وبطرقٍ شتّى لهداية الامم، قال تعالى: {نحن نقصُّ عليك أحسنَ القصصِ بما أوحينا إليكَ هذا القرآن}. (يوسف:3).