الحُبُّ: نقيضُ البُغضِ والحُبُّ: الودادُ ، والمَحَبَّةُ اسمٌ للحبِّ، وحَبَّبَ إِليه الأَمْر: جَعَلَهُ يُحِبُّه. وَهُم يَتَحابُّون: أَي يُحِبُّ بعضُهم بَعْضاً. وحَبَّ إليَّ هذا الشيء يحَبُّ حُبّاً، والحبُّ: الوِدادُ، والحَبِيبُ هو: المُحِبُّ.
والحبُّ أيضا: هو ميلٌ قلبي إلی الاشخاص أو إلی الأشياء العزيزة، وأحبَّ الشَّيء أو الشَّخصَ: ودّه ومال إليه، وتحبَّب له: تودَّد وأظهر الحُبَّ له، والحبُّ هو مصدر الخير، ومصدرٌ لكل الصفات النبيلة المحمودة كالإيثار والوفاء والإخلاص وذكر الفضل، والحبُّ لا يتقيّد بشخص أو جنس أو فئة، بل هو أعمّ من ذلك وأشمل، وله تمظهرات عديدة، وهو الفطرة السليمة الكفيلة بحفظ كيان الإنسان الأمثل الذي أراده الله تعالی له، وقد أمرنا (عزّ وجل)، ورسوله وأهل البيت، صلوات الله عليهم، بالمحبة في مواطن كثيرة منها ما جاء في قوله تعالی: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ، وهنا تحثنا الآية وتحذرنا من أن نجعل سائر العلاقات الأسرية وسائر المكاسب الدنيوية أن تكون هو الأولی بالمحبة من الله ورسوله وطاعتهم واتباعهم، فلا حب لله ورسوله وأهل بيته من غير طاعة واتباع وتأس، فلايجب أن يكون الحب حبيس المشاعر، بل وجب أن يكون إحساسا منعكسا وظاهرا في سلوكنا، حتی يعلم الآخر من عملنا ومعاملتنا ومنهجنا أننا نحب الله ورسوله وأهل بيته.
⭐ الحب ضالتنا في هذه الحياة، وكلما ازدادت مشكلات الحياة وتعقدت وانتشر فيها الظلم وتسلط قوی الشر، صرنا أكثر عطشا للحب، وأكثر بحثا عن مصادر المحبة
لقد حثنا رسول الله الأعظم، صلی الله عليه وآله، علی المحبة إذ قال:”أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله تعالى” وقال أيضا: “ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه”.
إذن؛ الحب ضالتنا في هذه الحياة، وكلما ازدادت مشكلات الحياة وتعقدت وانتشر فيها الظلم وتسلط قوی الشر، صرنا أكثر عطشا للحب، وأكثر بحثا عن مصادر المحبة، وخطاب المحبة، فهي الكفيلة بحفظ الإنسان وكرامته، وهي الكفيلة بتنظيم علاقته بأخيه الإنسان، لذا تعج الأقلام الباحثة في هذا الميدان، تغوص في الكتب المؤلفة التي تتحدث عن الحب، وتتمسك بكل لسانٍ حثّ علی الحب وعمل علی تعريفه، بغض النظر عن فهم المؤلف للحب وتشخيصه، وبغض النظر عن نظرته للحب ومدی تطبيقه في الحياة، فنقف عند من يحصر أسباب المحبة في عنصرين وهما:(الجمال والإحسان)، ونقف عند من يربطه بالشهوة ويجعله مرتبطا بالمرأة وعلاقتها بالرجل، ونقف عند مقولات كثيرة تحاول جاهدة أن تعرّف الحب وتجد له تفسيرا، وتضع له أقساما كالحب الإلهي وحب الإنسان لربه وحب الإنسان لأخيه، وفي خضم كل هذه الأفكار والآراء ، ننسی أعظم مقولة قيلت في الحب، وهي في حديث رسول الله الأعظم:”حسينٌ مني وأنا من حسين، أحبَّ اللهُ من أحبَّ حسينا”، فهنا يقدم لنا رسول الله معادلة من كفتين؛ الأولی تؤدي إلی الثانية، والثانية تتحق بتحقق الأولی، فالحسين من رسول الله، جسدا وفكرا ومنهجا، ورسول الله منه حجةً ومنهجاً وبقاءً وامتدادا؛ لذا جعل رسول الله (حسين مني) أولا، ثم(أنا من حسين) ثانيا، فمحبة رسول الله من دون محبة عترته ومولاتهم ومعرفتهم، محبة مبتورة، غير تامة؛ لذا قدمه، صلی الله عليه وآله، علی نفسه، مخاطبا الإنسانية، منبها لها علی أهمية اتباع الحسين والاقتداء بمنهجه والتصديق به ونصرته، فهو من رسول الله ورسول الله منه.
ومن ثم يتمم الرسول الكريم حديثه بعبارة عظيمة، لامثيل لها وهي “أحبَّ اللهُ مَن أحبَّ حسينا” وهي بشارة من الرسول الكريم وضمان لمحبي الحسين، فإن الله (جلّ وعلا) يحبهم! وهذا المعنی قد جاء في قوله تعالی أيضا: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
فلا تتحق محبة الله ـ تعالی ـ من دون محبة رسوله الكريم، ولاتتحقق المحبة وتكون كاذبةً من غير اتباع وطاعة وتسليم، فمِن آثَارِ المحَبَّة القُرب من المَحبُوب وَالِاتِّصَال به، واجتناب فراقهِ، ومحَبَّة مَا يَسُرُّهُ وَيُرضِيه، وَاجْتِنَاب مَا يُغْضِبُهُ، فجاء تعلِيقُ لُزُومِ اتِّباع الرَّسُولِ على مَحَبَّة الله تَعَالى؛ لِأَنَّ الرَّسُول دَعَا إِلى مَا يَأْمُرُ الله بِه، وَإِلَى إِفْرَادِ الوِجهَةِ إِليهِ، وَذَلِكَ كَمَالُ المَحَبَّة.
⭐ لقد حثنا رسول الله الأعظم، صلی الله عليه وآله، علی المحبة إذ قال:”أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله تعالى
إذن؛ إن محبة الله تتحصل باتباع هذه الشريعة المبنية على الحب، تتحصل باتباع رسول الله وطاعته، فإن تحقق ذلك؛ تحققت محبة الله لكم، وهو أعظم البشارة للمحب، وعند ذلك تجدون ما تريدون، و هذا هو الذي يبتغيه محب بحبه، وهذا هو الذي تقتضيه الآية الكريمة بإطلاقها، وبعد ذلك جاء حديث رسول الله وكأنه متمم للآية شارح لمعنی المحبة المشروطة، المحبة المتعلقة بالاتباع والطاعة.
فلا يمكن للمؤمن حيازة حبِّ الله ـ تعالی ـ من دون تحقق الشرط وهو محبة الإمام الحسين ومنهجه، عليه السلام، التي تعني محبة رسول الله ومنهجه ورسالته، والتي تؤدي الی محبة الله تعالی، محبة متبادَلة، تحب اللهَ فيحبكَ، ولكَ أن تتخيل أيها الحسينيُّ المحمديُّ، معنی أن يحبك الله، فكلما ازددت محبةً وطاعةً لإمامك؛ ازدادت محبة الله لك، فتبدأ يومك وأنت منعَّم بمحبة الله، وتروي عطشك وأنت في ظل محبة الله، وتذرف دمعتك ساخنة علی الحسين، عليه السلام، وأنت في رعاية الله وحنانه، وتقصد كربلاء وتقف أمام باب الحسين، عليه السلام، وتسلِّم عليه، فيسلِّم عليك رسول الله، ويسلِّم عليك الله، وتستجمع قواك وتتوكل ماشيا في مسيرة العشق الحسيني وأنت منظور إليك من المُحِبِّ الودود(الله)، تتأدب بأدب الحسين وتتخلق بأخلاقه فيزداد حب الله لك؛لأنك اتبعته واتبعت رسوله شكلا ومضمونا. ومن هنا تفهم قول رسول الله، صلی الله وعليه وآله: “الحب في الله فريضة والبغض في الله فريضة”، فهو يرشدنا إلی طريق المحبة المستقيم وكيفية الوصول إليه وحيازته، وبحيازته يحوز المرء علی محبة الله تعالی ورضاه، فأحبّوا الحسين كي تتنعموا بمحبة رسول الله الأعظم، صلی الله عليه وآله، وتتنعموا بمحبة الله تعالی، وهل بعد ذلك يوجد أعظم من هذا القول في الحب؟