الإمام موسى الكاظم، عليه السلام، تولى الحكم بعد استشهاد والده الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، وهو السابع من أئمة اهل البيت، عليهم السلام، الاثني عشر.
ولد، عليه السلام، في السابع من صفر لسنة ١٢٨هجرية في الابواء، امه حميدة البربرية والملقبة بحميدة المصفاة اي التي صفيت وطهرت من الادناس والعيوب، وهذا ديدن أمهات الائمة عليهم السلام، والتي قال عنها امامنا الصادق عليه السلام، حميدة المصفاة كسبيكة الذهب مازالت الأملاك تحرسهاحتى أدت لي كرامة من الله والحجة من بعدي.
عاش في أحضان الإمام الصادق والده، عليه السلام، مايقرب من عشرين سنة وتسلم بعده منصب الإمامة الكبرى بعد شهادة والده، عليه السلام، وهو ابن عشرين، واستمر ناهضا بهذا العبء خمسة وثلاثين سنة، بعدها رحل عن هذه الدنيا مسموما في سجن السندي بن شاهك في بغداد في حكومة هارون العباسي في الخامس والعشرين من رجب لسنة، ١٨٣هجرية،عن عمر يناهزالخامسة والخمسين.
انتقلت إمامة الشيعة الامامية إلى الإمام الكاظم، عليه السلام، سابع الائمة، في عهد الحاكم العباسي ابي جعفر والذي لم يغير من سياسته ضد العلويين بعد اغتيال للإمام الصادق، عليه السلام، وبعد قضاءه على الثورات العلوية في زمانه، بل بقي هاجس الخوف والقلق يلاحقه، ولم تهدأ ذاته المليىة بالحقد عليهم، فاستمر في اضطهادهم، فزج الأبرياء في السجون المظلمة وبث الجواسيس، لأجل ان يحيط علما بكل نشاطهم، وأخذت عيونه ترصد كل حركة منه.
ويتضح ذلك جليا من وصية الإمام الصادق، عليه السلام، والتي عهد بها أمام الناس لخمسة أشخاص، منهم ابو جعفر المنصور، ووالي المدينة محمد بن سليمان، وابنه موسى، و زوجته حميدة المصفاة، ومع كتابة المنصور لعامله في المدينة بأن يقتل وصي الإمام الصادق، عليه السلام، إن كان معنيا.
يتضح من هذه الوصية مع أوامر المنصور بقتل الوصي، نوع الطريقة التي كان يتحرك بها المنصور إتجاه الإمام موسى الكاظم، عليه السلام، ثم يتضح أيضآ حجم النشاط وحجم الاهتمام الذي يعطيه المنصور للإمام، عليه السلام، لمراقبة حركته لذا وسع الإمام الصادق، عليه السلام، وصيته وجعل اوصياءه خمسة اولهم المنصور نفسه، ثم واليه على المدينة، ليحفظ حياة الإمام الكاظم، عليه السلام، ويحبط مكيدة المنصور الحاكم من اراقة دماء اولاد الامام أمير المؤمنين علي، عليه السلام.
- سياسة المنصور وحديث الخزانة
من الروايات التاريخية التي تكشف سياسة المنصور القائمة على التنكيل والقتل للعلويين هو حديث الخزانة، حيث يكشف لنا هذا الحديث التاريخي عن سياسته التي أراد بها الايحاء لابنه المهدي بأن الخلافة لا تستقيم إلا بهذه الطريقة، ثم تكشف لنا هذه الرواية عن معاناة الإمام موسى الكاظم، عليه السلام، في تلك المدة، إذ تساق اعداد كبيرة من العلويين إلى السجون لتقتل بعد ذلك صبرا، فقد ملأ الخزانة برؤوس العلويين شيوخا وشبابا واطفال واوصى زوج ابنه المهدي أن لا تفتحها للمهدي ولا يطلع عليها إلا بعد موته، وقد ذكر الصدوق تلك الحادثة(1)، ودونها الطبري في تاريخه(2).
- مواجهته للظالمين والتصدي لظلمهم
إن اهل البيت عليهم السلام، قد تصدوا لمواجهة الظلم بكل ما يتمكنون، ومنهم الإمام الكاظم، عليه السلام، الذي عاصر من أحب الملك حبا وصل به إلى درجة ليصرح ولم يتمكن من الكتمان بأن صاحب القبر وأشار إلى قبر الرسول، صلى الله عليه وآله، لو نازعه على الملك لقطع الذي في عيناه واحتز راسه، ومع ما لهذا الظالم من دنيا لم يمتنع الإمام، عليه السلام، من التصدي له والعمل للوقوف ضد ظلمه بقدر ما يتمكن.
- اتبع أساليب عديدة ومتنوعة منها
حرمة العمل معهم واعانتهم تلك وخطورة تلك الأعمال، أن الإمام، عليه السلام، لم يرخص للعمل معهم فحسب بل زرع في القلوب بغضهم، والذي هو مقدمة لحرب هؤلاء، وهذه شواهد من كلماته بهذا الصدد قال عليه السلام: “من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره الله يوم القيامة خنزيرا”، حشر الإنسان بهذه الصورة إنما هو تجسيم لما هو عليه في الدنيا بل ان عالم الآخرة هو كشف للغطاء في الحقيقة، اذاكان هذا حال العامل معهم فكيف با الظالمين، وهذا ماحدث لصفوان الجمال وكان يؤجر جماله لهارون العباسي، وبهذا الأسلوب تمكن الإمام، عليه السلام، من إخراج الكثير وتخليصهم من العمل معهم، بل زرع في النفوس بذرة الوقوف في وجوههم فضلا عن أن هذا تحذير للإنسان من أن يرغب في دنياهم ويحب منهجهم اويميل ان يكون من أمثالهم. اما الأسلوب الآخر في مواجهة الظلم تنصيب بعض الوجوه التي لاتتاثر بالدنيا التي في قلوبها الحرقة على المحرومين وعندها دقة في العمل، حيث أذن لهم بالعمل في مناصب حساسة في الدولة لتكون بالمرصاد لما يريد أن يفعله الطغاة بالضعفاء، وعلي بن يقطين خير شاهد على ذلك، هذا مادعى اولئك الظالمين من الانتقام من الإمام الكاظم، عليه السلام، والتضييق عليه وايداعه السجن والزنزانة، وقتلهم بمختلف الوسائل من السم والسيف وغيره، وهذا ما يكشف عن الصدق الذي عاشه أئمة اهل البيت، عليهم السلام، فلم يداهنوا ولم يجاملوا وحتى التقية التي كانوا يعيشونها إنما هي اسلوب من أساليب المواجهة للباطل والظالم ونصرة الحق، ولوتدبر الإنسان في كثير من المواقف لأنكشفت له الحقيقة.