مشاهد إخراج ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا من تحت الأنقاض تهزّ المشاعر فتدمع العيون، وتعتصر القلوب، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فإن هواجس أزمات السكن والطعام والدواء، والطاقة، والوقود، تمثل أعباءً، ربما تكون أثقل من أنقاض البنايات المهدمة، لأن الضحايا المتوفين ماضون الى دار حقّهم عند ربٍ غفور رحيم، إنما المشكلة في النساء والأطفال وعموم الناس الذين باتوا في الشوارع دون مأوى بعد فقدهم كل مقومات ومستلزمات حياتهم الطبيعية، لاسيما ونحن في فصل الشتاء وتحديات الأمطار والطقس البارد.
وبما أن الهزّات الأرضية لا تعرف حدوداً جغرافية، واحتمال تكرارها في مناطق أخرى لبلدان مختلفة في المنطقة التي نعيشها، فلابد من اجراءات استباقية نستعد فيها لمثل هذه كوارث انسانية لنكون في المستوى المقبول لاستيعاب الصدمة والكارثة، مع الحاجة الأكيدة لمساعدة الآخرين، بيد أنه كلما كانت الاجراءات والاستعدادات أكثر، نكون قد حافظنا على حياة الناس الضحايا تحت الركام، ومن هم في الشوارع، أكثر.
⭐ بما أن الهزّات الأرضية لا تعرف حدوداً جغرافية، واحتمال تكرارها في مناطق أخرى لبلدان مختلفة في المنطقة التي نعيشها، فلابد من اجراءات استباقية نستعد فيها لمثل هذه كوارث
هذه الاجراءات تنقسم الى رافدين أساس؛ الدولة والمجتمع.
الدولة ذات الامكانات الهائلة من الاموال والقدرات عليها تشكيل هيئات ومؤسسات خاصة لإغاثة المنكوبين من الكوارث الطبيعية، ومن أي أزمة أخرى، فهي تملك القدرات والامكانات الداخلية، الى جانب ما الامكانات الخارجية من خلال علاقاتها الدبلوماسية لاستقطاب الخبرات الكبيرة في هذا المجال، لاسيما ما يتعلق بطرق التحرّي عن الاحياء تحت الأنقاض، او طرق الاسعافات الأولية وغيرها من وسائل النجاة.
أما المجتمع من جانبه فانه لا يقلّ أهمية في تأثيره على عمليات الاغاثة واستيعاب صدمة الكوارث الطبيعية والازمات المفاجئة، وفي العراق لدينا تجربة ناجحة بشكل باهر خلال جائحة كورونا الرهيبة التي ضربت العالم بأسره، وجعلت الملايين من الناس رهن بيوتهم خوف العدوى وانتشار المرض القاتل، فهبّت الشريحة الميسورة لمد يد العون الى المحتاجين واصحاب الدخل المحدود ممن تضرروا من حالة الإغلاق التام وفقدوا موردهم المالي بسبب اجراءات الحظر.
هذه الروحية الموجودة في العراق، وربما في عديد الدول الاسلامية تحتاج الى تنظيم لمزيد من الاستفادة والاستثمار، كما تحتاج الى تثقيف لمزيد من تكريس الحالة وتعميقها في السلوك الاجتماعي.
⭐ إن الإعلان عن محطات تستقبل مواد الإغاثة والمساعدة لمنكوبي زلزال تركيا وسوريا في جميع البلدان الاسلامية، ومنها؛ العراق، له تأثير نفسي كبير جداً، الى جانب التأثير المادي
هذه الاجراءات على الصعيد الاجتماعي لها أبعاد انسانية على المدى البعيد، فهي تبني جسور الثقة والمودّة بين افراد المجتمع والأمة وتنشر الأمان في النفوس من أي خطر داهم، والقضية لا تتعلق بالضرورة بزلزال او حتى فيضانات وسيول جارفة كما حصل في العراق قبل فترة، بل ويشمل الأمر حتى حوادث مفاجئة تلحق الضرر بشريحة كبيرة من الناس، مثل الجفاف وتعرض الأرض للجدب وفقدان الزراعة، وتهدد الماشية بالهلاك، او كما حصل بتعرض الاسماك او الدواجن للتسمم مما يلحق اضراراً كبيرة باصحابها، وفي الوقت نفسه تلقي بظلالها على وضع السوق والمواد الغذائية في مائدة الناس عندما ترتفع الاسعار، فالاجراءات الحكومية مطلوبة في المجال، بل هي مسؤوليتها بالدرجة الأولى، بيد أن تحرك المؤسسات الاجتماعية والثقافية للتخفيف من هذه الأضرار تعطي المتضررين أملاً بإمكانية التعويض سريعاً والسيطرة على الاوضاع مع أقل الخسائر، ثم العودة الى الوضع الطبيعي. إن الإعلان عن محطات تستقبل مواد الإغاثة والمساعدة لمنكوبي زلزال تركيا وسوريا في جميع البلدان الاسلامية، ومنها؛ العراق، له تأثير نفسي كبير جداً، الى جانب التأثير المادي، في المدى القريب والبعيد، وقد جرّب العراقيون بنجاح هذه المبادرات مع شعب اليمن المحاصر منذ سنوات، ومع الشعب الايراني الذي تعرض للسيول في السنوات الاخيرة، فالمساعدات التي ستخرج من البيوت الى من لا بيوت لهم، ومن الاطفال والنساء الى نظرائهم المشردين في الشوارع، لها أثر انساني عظيم من شأنه تخفيف المصيبة من جهة، وتقوية أواصر الأخوة والمحبة من جهة أخرى، يوفر القدر الكبير من الأمان للجميع من أنهم لن يكونوا وحدهم في أية كارثة طبيعية او أزمة انسانية.