الارتياح او الرفض النفسي هذه هي النتيجة الاولية عند لقائك مع شخص لأول مرة، وبناءً على ذلك نبقي فاصلاً بيننا او نحاول التقرب اكثر، وقد يستمر الامر لأشهر وربما سنوات لكن تتغير هذه النظرة احياناً عندما تستجد معطيات في العلاقة، فمثلا الذي كنا مطمئنين له يظهر على العكس بينما الذي نفرنا منه للوهلة الاولى يبدو على قدر من المقبولية وينال التفضيل وهكذا تتقلب الاحوال بأمر مقلبها ومسيرها.
لكن هذه ليست قاعدة عامة فأنا شخصياً ومثلي الكثير من الناس بنسبة 70% تصيب نظرتي الاولى لمن اقابلهم للمرة الاولى لكني ابقي على مسافة امان بيني وبين الشخص حتى اتأكد حتى لا اظلم احد لمجرد شعور، او اقرب احداً اكثر مما يستحق، فليس منطقياً ان تؤثر نظرتنا الاولى على سلوكياتنا مع الاخرين لكون الحس يخدع في كثير من الاحيان.
يرى علم النفس ان تكوين الانطباع الاول لا يتطلب ثوانٍ بسيطة لا تجاوز العشر ثوان من اجل الحكم الاولي على شخص ما نقابله اول مرة، وكلما زاد الوقت كان الوقت اطول كلما كانت صحة الانطباع الذي نتوصل اليه اعلى، فلا يهمنا دائماً السرعة في تكوين الانطباع بقدر ما يعنينا الدقة في رصد الهدف وتكوين الانطباع عنه.
⭐ إن الانطباع الأول له أثر مهم جداً في بداية أي علاقة بين إنسان وآخر، فالقبول والارتياح من أول وهلة له جانب مهم لتكوين العلاقات وتقريب المسافات ويبعد الغربة الاجتماعية
ربما جميعنا ننفر من شخص ما في حياتنا فينتج من هذا النفور محاولة ان نقف بالضد منه في الطرح او السلوك، وربما يبتعد بعضنا الى اكثر من ذلك في التعامل معه فيذمونه او ينتقصون منه، لكن بعد تجريبه يظهر الجانب غير المكتشف بعد، يتحول النفور الى ود وطيب او الطيب الى كره وحنق، وفي مثل هذه الحالات نشعر بتأنيب الضمير لشعورنا بأننا تسرعنا في الحكم.
في هذا السياق يقول أخصائي الصحة النفسية الدكتور محمد هاني: “إن الانطباع الأول له أثر مهم جداً في بداية أي علاقة بين إنسان وآخر، فالقبول والارتياح من أول وهلة له جانب مهم لتكوين العلاقات وتقريب المسافات ويبعد الغربة الاجتماعية ويقنع الناس أن هناك نوعاً من التفاهم، فبعض الأشخاص لديهم نوع من الكاريزما ووجه به قبول وابتسامة وطريقة تعامل جذابة فبالتالي يكون الانطباع الأول عنهم جيد، و على الجانب الآخر يوجد بعض الأشخاص الذين لا يكون لديهم هذا القبول وأول لقاء على العكس يبنى حاجز نفسي، ويبعد المسافات.
دقة الانطباع ومدى صوابيته تختلف بناء على الشخص والهدف المراد متابعة تحقيقه (شخص أو موضوع أو مشهد وما إلى ذلك)، وبصورة عامة تعود انطباعاتنا لا شعوريا محددات معينة كالعرق والعمر واللغة والثقافة والشكل الخارجي للانسان والنوع واللهجة ووضعية الجسد، والصوت، وعدد الأشخاص الحاضرين والوقت المسموح به في هذا اللقاء، وجميع هذه السمات ليست معايير حقيقية للتقييم لذا نخدع في العديد من المرات اذا اعتبرناها معايير صادقة وواضحة.
⭐ فكثيرون تراهم يلبسون اجمل الملابس واثمنها غير انك وبمجرد انهم يتحدثون اليك ترى حجم الفراغ الفكري، وتخلّف طرق تفكيرهم، وقصور نظرتهم الى الحياة
من مساوئ اغلب الناس في تكوين الانطباع انهم يأخذون الظاهر ولا يقيمون للجوهر وزناً فيغيب العلم والاخلاق، وحسن المنطق والتعامل وكل السلوكيات التي لا تظهر للعيان للوهلة الاولى، بينما القاعدة المنطقية للحُكم على الانسان لابد ان تستند على كلامه وفق قاعدة( تكلم حتى اراك)، وبذا يرفع الظلم والحيف عن الناس.
فكثيرون تراهم يلبسون اجمل الملابس واثمنها غير انك وبمجرد انهم يتحدثون اليك ترى حجم الفراغ الفكري، وتخلّف طرق تفكيرهم، وقصور نظرتهم الى الحياة، فتتمنى لو انهم لم يتكلموا، وعلى النقيض منهم من تراه بسيط الملبس والهيئة لكنه حين يتكلم يخرج الجواهر من فمه وتتمنى ان لا ينقطع الكلام، وما بين هذا وذاك الكلام الذي هو المعيار الافضل للحكم على الناس لئلا نبخسهم اشياءهم. وفي الختام ايها القارئ المفضال؛ في حقيقة ان الانطباع الاولي يدوم ام يتغير، يتعلق بمدى وعي الانسان ودرجة انصافهم وقدرتهم على تحويل بوصلة تفكريهم تجاه الاشياء والاحداث، فكلما ارتفعت نسبة الوعي الانساني كلما محص الامور تمحيصاً للوصل الى نتيجة منصفة وعادلة، والعكس هو الصحيح تماماً وهذا الذي يحصل بالنسبة للكثيرين سيما كبار السن وغير الواعين من الناس وبكافة اشكالهم.