يقول امير المؤمنين، عليه السلام: “يا بن آدم إذا رأيت أن ربك يُتابع عليك عليك نعمه وانت تعصيه فاحذره”.
كلنا يعرف الله جيدا في أوقات الشدة، وكلنا يفكر بينه وبين نفسه أي ذنب ارتكبه حينما تنزل عليه نقمة.
لكي نعرف هذه الكلمة ـ كلام الأمير ـ لابد أن نعرف شيئا مهما؛ لا علاقة بين الله وبين ما سواه، إلا علاقة الخالق بالمخلوق والرب بالمربوب، والصانع بالمصنوع، ففي هذا الكون الرحب لا يوجد قطبان، بل قطب واحد وهو الله ـ جل شأنه ـ يقول الشاعر: كل ما خلى الله باطل .. وكل نعيم سوى الجنة زائل.
ما دام ان هناك قطب واحد في هذا الكون فلابد ان نتعرف على طريقته وسنته، التي لا يغيرها ولا يبدلها: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، فالله ـ تعالى ـ لا يغيّر طريقته لرغبة الإنسان، بل على الإنسان ان يغير من نفسه من أجل الله وسننه، لذلك علينا أن نعرف متى يُنزل الله النقمة.
⭐ كلنا يعرف الله جيدا في أوقات الشدة، وكلنا يفكر بينه وبين نفسه أي ذنب ارتكبه حينما تنزل عليه نقمة
من طرق الله؛ الاستدراج، وهو ان يستدرج العبد الى ساحة الاختبار، يقول الله ـ تعالى ـ: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}، فالله قد يُغدق على احدهم بالنعم، لكي يكون أخذه للنِعم شديداً ومؤلما.
- معاقبة المذنبين على طريقتين:
ـ قد يكون العقاب بطريقة سريعة، وهذا في الحالة ان العبد يريد العودة الى الله ـ تعالى ـ، كما جرى على الانبياء، صحيح انهم لم يرتكبون الذنب بما هو متعارف عندنا، ولكنهم تركوا بعض الاولويات وفوراً كان يُعاقبون، وإذا اصيبوا بمصيبة يعودون الى الله عما ارتكبوه من ذنب.
ـ الاستدراج، وهذه الحالة حينما يقطع الإنسان كل خطوطه مع الباري ـ جل وعلا ـ، يقول الله ـ تعالى ـ: {فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ}، ويقول: {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}، هذه الآية قرأتها السيدة زينب، عليها السلام، حينما كان جالسا، قد اصابه زهو الانتصار، قالت عليها السلام: ” أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة؟ وأن ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسرورا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، مهلا مهلا أنسيت قول الله تعالى: {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
“يا بن آدم إذا رأيت أن ربك يتابع عليك عليك نعمه وانت تعصيه فاحذره”، فاذا كان العبد في معصية فعليه ان يحذر ربه، لعلى تلك النعمة تكون نقمة عليه، وهي بمثابة استدراج له، حتى ينسى الاستغفار والتوبة، بل إن البعض يقول: لو كان ربي غير راضٍ عني فلم يكن ليعطني ما أعطاني! فقد يفتح الله لاحدهم بابا من النعمة لكن حين يأخذها الباري، يكون وقعها على الإنسان شديدا، فتنسيه فرحة الحصول عليها.
يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “ليراكم الله من النعمة وجلين كما يراكم من النقمة فرحين”، فعلى الانسان ان يحتمل مسؤولية النعمة ويحذر، مثل ذلك من اعطي سيارة فاذا لم حذرا في سياقتها ستكون سببا في وفاته.
يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “إذا اراد الله بعبد خيرا تبعه بنقمة وذكره الاستغفار واذا اراد الله بعبد شرا تبعه بنعمة فينسيه الاستغفار”.
⭐ حينما ينسى الانسان فضل الله، لا يتحمل مسوؤلية النِعم التي يرفل بظلها
حينما ينسى الانسان فضل الله، لا يتحمل مسوؤلية النِعم التي يرفل بظلها؛ مسوؤلية الصحة، والعافية، والشباب، والعلم، بهذه النعم يمكن مساعدة مَن لا يمتلكها، فالشاب بقوته البدينة يجب ان يساعد بقية افراد المجتمع، فالى متى يخزن قوته؟ او ان احدهم يمتلك فهما في مسألة علمية او رؤية فالى متى يدخرها؟
عن سنان بن طريف قال: قلت لأبي عبد الله: خشيت ان أكون مستَدرجا قال: ولم؟ قلت: لأني دعوت الله ان يرزقني دارا فرزقني، ودعوت الله ان يرزقني ألف درهم، فرزقني ودعوته ان يرزقني خادما فرزقني خادما، قال: فأي شيء تقول؟ قال: أقول: الحمد لله، قال: فما أعطيت أفضل مما أعطيت”. نِعم الله كثيرة على الإنسان ولذا فإن واجب الإنسان تجاه تلك النعم هو شكرها، والعمل بمتقضى النعمة، فتجاه كل نعمة مسؤولية، فالمال ـ مثلا ـ من نِعم الله وعلى الإنسان انفاقه وبذله فيما يرضي الله ـ تعالى ـ وإلا أصبح وبالا على صاحبه، وكذا نعمة الصحة، فإن هذه النعمة يجب تُستثمر في تنمية الشخصية، وعمل الصالحات، والعمل من أجل المجتمع، وهكذا في بقية النعم الأخرى، وشكر لا يكون بالشكر اللفظي فقط، بل بالشكر العملي وهو الأهم، يقول ـ تعالى ـ: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً}.