قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
القرآن الكريم كثيراً ما يستخدم أسلوب المثال، وذكر القدوات وذلك لإرشاد الناس؛ للتعرف على سيرتهم، والتعلم منهم، والاقتداء بهم.
ففي هذه الآية الكريمة يضرب الله مثلاً بإمرأة فرعون، ويجعل منها قدوة للمؤمنين ومثلا.
فلا ضير بأن تكون هناك بعض النساء ممن وصلن إلى الكمال، قدوات ومثال يتعلم منهن المؤمنين من الرجال والنساء.
ومن النساء اللاتي وصلن إلى الكمال، كما جاء في الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: “كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، صلى الله عليه وآله”.
⭐ حينما نقرأ سيرتها نجد في حياتها من أبرز المحطات التي هي من أروع الدروس لمن يريد أن يتعلم منها ويتخذها قدوة
وافضلهن وسيدتهن وسيدة النساء من الأولين والآخرين هي فاطمة الزهراء، عليها السلام، تلك الصديقة الكبرى التي وصلت إلى ما لم يصل إليه الكثير من الرجال والنساء غيرها، فحري بنا ان ندرس سيرتها ونقرأ مواقف حياتها ونتعلم منها ونجعلها قدوةً لنا.
فنحن في هذه الأسطر القليلة نحاول أن نتعرف على جزء بسيط من سيرتها ونأخذ منها الدروس والعبر، وذلك بأن نركز على أحد جوانب حياتها الا وهو تربيتها لأبنائها.
فحينما نقرأ سيرتها نجد في حياتها أبرز المحطات التي هي من أروع الدروس لمن يريد أن يتعلم منها ويتخذها قدوة ومن تلك المحطات هي أسلوبها في تربيتها لأبنائها والذي كان يتكون من عدة خطوات قامت بها في تعاملها معهم، ومن تلك الخطوات:
أولاً: البدأ معهم وهم اجنة في بطنها، فمما تذكره الروايات من أنها، عليها السلام، كانت تتكلم معهم وتحدثهم، حيث ينقل أن رسول الله، صلى الله عليه وآله، دخل يوماً على ابنته فاطمة، عليها السلام، فوجدها تتحدث مع شخص ولم يكن في المنزل أحد سواها، وعندما سألها عن ذلك، أخبرته أنها تتحدث مع ابنها وهو في بطنها.
هذا وقد اثبتت الدراسات الحديثة ان الطفل وهو جنين في بطن أمه يسمع كلامها، لذلك المختصون بالتربية يوصون بأن تبدأ التربية من حين فترة الحمل وهذا ما بدأت به السيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام، مع أولادها.
ثانياً: البحث لأولادها عن اجمل واحسن الأسماء لما للاسم من أثر كبير على شخصية صاحبه.
فلذلك السيدة الصديقة عندما يولد ولد لا تسميه وإنما تبحث له عن افضل اسم، حيث أنها توكل تلك المهمة لأمير المؤمنين، عليه السلام، وهو بدوره يستشير رسول الله، صلى الله عليه وآله، والرسول يسأل الله عن اسم لها، حتى يأتي الاسم من الله العزيز وما أجمله وافضله واحسنه من اسم، كيف لايكون كذلك وهو ما يأتي من الله الجليل ومشتق من أسمائه الحسنى.
لذلك من الأمور المهمة في التربية هو اختيار اسم جميل وذات معنى يترك أثراً ايجابياً على شخصية الطفل.
ثالثاً: تربيتهم تربية عقائدية و دينية وتدريبهم على العبادات، حيث ما ينقل عنها صلوات الله عليها، أنها كانت عندما تقوم للعبادة في أداء الفرائض او حتى النوافل تأتي بإبنائها وتجلسهم بقربها عند محراب صلاتها، فها هو السبط الأكبر الإمام الحسن المجتبى يحدثنا عن أمه يقول:
“رأيتُ أمي فاطمة قائمةً في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدةً حتى انفلق عمودُ الصبح.. سمعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتُكثر الدعاءَ لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت: يا أمّاه، لَمْ تدعي لنفسِكِ كما تدعين لغيرِكِ؟ قالتْ: يا بُنيّ، الجار، قبل الدار” .
⭐ تربيتهم تربية قرآنية وحثهم وتشجيعهم على حفظ القرآن وتعلمه وعلى ارتياد المساجد واماكن العلم والمعرفة منذ نعومة اظفارهم، حيث أنها كانت ترسلهم إلى مسجد رسول الله، صلى الله عليه وآله
رابعاً: تربيتهم على المناقب والفضائل والأخلاق الحسنة.
ففي الرواية الآنفة الذكر نجدها تعطي لولدها الحسن عليه السلام، درساً في الإيثار وذلك بقولها: “يا بُنيّ، الجار، قبل الدار”.
خامساً: ارشادهم لاتخاذ قدوات لهم في الحياة والاقتداء بهم والتعلم منهم في اكتساب الصفات والفضائل، حيث انها كانت تلاعب الحسن وتنشد له:
أشبه أبـــــــاك يـا حسـن * واخلع عن الحقّ الرَّسن
واعبـد إلهـــــــــاً ذا منـن * ولا تُــــوالِ ذا الإحـــــن
سادساً: تربيتهم على القيم والمبادئ الحقة، وهذا أيضاً ما نكتشفه من تلقينها للإمام الحسن سلام الله عليه، بهذين البيتين اللذان ذكرا في الفقرة السابقة.
سابعاً: تربيتهم تربية قرآنية وحثهم وتشجيعهم على حفظ القرآن وتعلمه وعلى ارتياد المساجد واماكن العلم والمعرفة منذ نعومة اظفارهم، حيث أنها كانت ترسلهم إلى مسجد رسول الله، صلى الله عليه وآله، وتوصيهم بأن يحفظوا ما يقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله، من آيات القرآن الكريم، وكذلك خطبه التي يلقيها على المسلمين، ومن ثم يأتوا إلى امهما ويلقوا عليها ما حفظوه من جدهم. فهذا جزء بسيط من سيرة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام، ويحمل في طياته الكثير من الدروس والعبر فلابد للمؤمنين ان يتخذوا الزهراء قدوة لهم، ويهتدوا بسيرتها، ويجعلوها نبراساً، يتعلمون منها كل ما يخص سلوكهم في الحياة.