لا يوجد أحد لا يريد أن تحفَّ به البركة في مختلف جوانب حياته، سواء في الجوانب المادية أو المعنوية، فالكثير يشكو من قلّة الرزق، والبعض الآخر لا يجد الوقت الكافي لانجار الاعمال المترتبة عليه نظرا لضيق الوقت وتزاحم مهام الحياة المختلفة، خصوصا في زماننا والذي اصبح الوقت من الأمور الثمينة جدا التي لا يمكن التفريط به بسهولة.
المصاديق كثيرة عن ارتفاع البركة من حياتنا، سواء على المستوى الشخصي، او على المستوى الاجتماعي، فعلى المستوى الشخصي تجد أن انجازات بعض الافراد محدودة، او قد لا تجد له انجازا، أما على المستوى الاجتماعي فارتفاع البركة يظهر في التعامل اليومي بين افراد المجتمع، فغلاء الاسعار، والغش، والتدليس، وغيرها تشكّل سداً منيعا من حلول البركات على الناس.
- موانع البركة
لكل شيء سبب وعلة، و بالرجوع الى روايات النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وبصائر العترة الطاهرة، نجد أن هناك اسبابا تؤدي الى ارتفاع البركة من حياة الإنسان والمجتمع.
⭐ المصاديق كثيرة عن ارتفاع البركة من حياتنا، سواء على المستوى الشخصي، او على المستوى الاجتماعي
يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “لا تدخل الملائكة بيتا فيه خمر او دف او طنبور او نرد، ولا يستجاب دعاؤهم وترفع عنهم البركة”. وإذا عدنا الى حياتنا الواقعية نجد مصاديق هذا الحديث جليّة وبوضوح، فدخول المحرمات المذكورة الى بيت، يجلب لصاحبه الشرور؛ فقد تجد أن أهل ذلك البيت لا يعيشون حالة من الوئام، والمحبة فيما بينهم، وذلك عبر المشاكل المستمرة.
أحد الأصحاب دعاني الى مناسبة خِتان ابنه، وما يسمى في العرف المحلي (الطهور)، فلبيت الدعوة وبعد وصولي فوجئت بأن صاحب البيت قد جلب مطربا لاحياء هذه المناسبة، ومن باب المسؤولية وجهت له النصح بأن يلغي هذه الفقرة، والتي قد تتسبب فيما بعد بما لا يُحمد عقباه، لكنه رفض وأصرَّ على إقامة المناسبة بالأغاني والموسيقى، وقبل أن اغادر بيته ذكرته برواية للإمامِ الصادقِ، عليهِ السلام: “الغناءُ بيتٌ لا تؤمنُ فيه الفجيعةُ، ولا تجابُ فيه الدّعوة، ولا تدخلهُ الملائكة”. بعد مضي عدة أشهر اُصيب هذا الرجل بفجيعة في بيته، ولا زالت آثارها الى اليوم، وصرف مبلغ مالي يداني عشرة مليون دينار.
من هذا نستشف أن الذنوب والمعاصي هي من موانع حلول البركات، لذلك يقول ـ تعالى ـ: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، فسبب ارتفاع البركات حسب ظاهر الآية هو الكذب، والكذب من ذنب من الذنوب، وفي القاعدة الأصولية: “المورد لا يخصّص الوارد”، فمورد الكذب في الآية لا يخصصها، ويكون هو الذنب الوحيد الذي بارتكابه ترتفع البركات، بل أن مطلق الذنوب تحول دون نزول البركات، بدرجات متفاوتة.
- كيف نجعل حياتنا مباركة؟
كيف أسلفنا ان البركة مفهوم عام يندرج تحت الكثير من المصاديق، وما يطلبه البعض من البركة، قد لا يطلبه البعض الآخر، لكن بشكل عام نحن بحاجة الى البركة في حياتنا وفي مختلف الجوانب، وهنا بيان لبعض الأعمال التي من شأنها أن تجعل حياتنا مباركة:
- اولا: قراءة القرآن الكريم والاستماع إليه
يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “اعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لاوائكم”.
يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “يدفع عن قارئ القرآن بلاء الدنيا، ويدفع عن مستمع القرآن بلاء الآخرة”.
وجاءت بعض الروايات للإشارة الى سور بعينها للحث على قراءتها، من ذلك قراءة سورة يس، عن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ لكل شيءٍ قلباً، وقلب القرآن يس، فمن قرأها في نهاره كان من المحفوظين والمرزوقين حتى يُمسي، ومن قرأها في ليله قبل أن ينام وكُّل به ألف ملك يحفظونه من كل شيطان رجيم، ومن كل آفة، وإن مات في يومه أدخله الله الجنة”.
وعنه، عليه السلام: ” “من قراء في كلِّ ليلة جمعة الواقعة أحبَّه الله وأحبَّه إلى الناس أجمعين، ولم يرَ في الدُّنيا بؤساً أبداً ولا فقراً ولا فاقةً ولا آفةً من آفات الدنيا،وكان من رفقاء أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه السورة لأمير المؤمنين عليه السلام خاصَّة لم يشركه فيها أحد”.
⭐ قال النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله: “وإذا دخل أحدكم بيته فليسلم فإنه تنزل البركة وتؤنسه الملائكة
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: “من كتبها وعلّقها في منزله كثر الخير عليه ، ومن أدمن قراءتها زال عنه الفقر، وفيها قبول وزيادة وحفظ وتوفيق وسعة في المال”.
وقراءة القرآن الكريم في البيت يفيض البركة على أهله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “البيت الذي يُقرأ فيه القرآن يكثر خيره ويوسع على أهله ويحضره الملائكة ويهجره الشياطين، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه يضيق على أهله ويقل خيره وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين”.
- ثانيا: المداومة على الاستغفار
يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “وقد جعل الله سبحانه الاستغفار سببا لدرور الرزق ورحمة الخلق، فقال سبحانه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}، فرحم الله امرأ استقبل توبته، واستقال خطيئته، وبادر منيته”.
ويقول عليه السلام: “الاستغفار يزيد في الرزق”.
ثالثا: الايمان والتقوى: قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}.
رابعا: ايتاءالزكاة ومواساة المؤمنين: قال أمير المؤمنين عليه السلام: “يا كميل البركة في المال من ايتاء الزكاة ومواساة المؤمنين وصلة الأقربين وهم الأقربون”.خامسا إلقاء السلام: قال النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله: “وإذا دخل أحدكم بيته فليسلم فإنه تنزل البركة وتؤنسه الملائكة”.