في 7 صفر الأحزان استشهد الإمام الحسن (ع) بسم معاوية بيد الجعدة 50هـ
- مقدمة قيادية
القيادة في هذه الحياة هي أهم مسألة يمكن أن تعترض الإنسان في حياته، وذلك لأنها تتطلب منه الطاعة والانقياد لها، وبمقدار ما هي لازمة وضرورية لحياته وضبطها واستمرارها هي صعبة وشاقَّة عليه لما جُبلت عليه النفوس الآدمية من حب التفلُّت من المسؤولية، والهروب من القانون تحت ضغط النفس الأمارة بالسوء، والشيطان المتمرِّد، والذي يحب لهذا الإنسان أن يتمرَّد على كل شيء رباني، بل حتى على ربه سبحانه كما فعل هو ليُطرد من الرَّحمة أيضاً.
- القيادة هي الولاية
والقيادة في الشريعة السماوية هي الولاية بإطارها الواسع، بما في ذلك الأنبياء والرسل الكرام جميعاً حيث أن كل نبي ورسول هو ولي من أولياء الله ـ تعالى ـ وله القيادة المطلقة على أمته في عصره وزمانه، ولكن الولاية هي التي تحمل عبء الرسالة وتطبيقها في واقع الأمة بما نسميه في الشريعة الإسلامية بالتأويل لآيات الكتاب والسنة المطهرة.
📌 الأمة في عهد الإمام الحسن، عليه السلام، لم يكن لها رأي إلا رأي بني أمية
فالولاية التي شرَّعها الله سبحانه أصالة له، ثم فوَّضها لرسوله، صلى الله عليه وآله، في حياته، ثم لوليه بعد وفاة الرسول هي ما جاءت به الآية المباركة في قوله ـ تعالى ـ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}. (المائدة:55).
هذه الآية الكريمة على إيجازها تأصيل، وتنصيص، وتخصيص، لمسألة القيادة والولاية بالمعنى المتعارف في اللغة العربية، وهو الأولى بك من نفسك كما بينها الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالنسبة لرسوله الكريم حيث قال: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، (الأحزاب: 6).
والعجيب في هذه الأمة الظالمة لنفسها بظلمها لقيادتها ولأوليائها من أهل البيت الأطهار، عليهم السلام، الذين اختارهم الله سبحانه على علم، وأمر بتنصيبهم، قادة وأئمة وسادة حتى يكونوا أمناء على دين الله، ورعاة لشريعة السماء، وهذا ما بيَّنه ووضَّحه رسوله الله، صلى الله عليه وآله، في يوم غدير خم بما لا مزيد عليه من البيان حيث قال بمحضر أكثر من 124 ألف منهم كما في رواية زيد بن أرقم حيث قال، صلى الله عليه وآله: “أيها الناس أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: فأخذ بيد عليّ فرفعها، فقال: مَنْ كنت وليه فهذا وليه اللهم وال مَنْ والاه وعاد مَنْ عاداه”. فقال له الرجل: أنتَ سمعته؟ فقال: واللّه ما بالدَّوحات أحد إلاّ سمع بأذنيه ورأى بعينه. والحديث مشهور ويصل إلى حد التواتر المعنوي واللفظي.
- ولاية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
في ذلك اليوم الأغر حيث أبان الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأظهر مسألة القيادة والولاية والإمام والوصية لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، لم يكن وحده فقط بل كان الأئمة جميعاً حاضرون في الخطبة لأنه قال: “ثُمَّ اِبْنِيَ اَلْحَسَنُ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مَعَهُ أَمْرٌ، ثُمَّ اِبْنِيَ اَلْحُسَيْنُ مِنْ بَعْدِ أَخِيهِ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مَعَهُ أَمْرٌ”، وهكذا بقية الأولياء الكرام، عليه السلام، وأخذ البيعة لهم جميعاً.
ففي ذلك اليوم صار الإمام الحسن، عليه السلام، ولياً، وإماماً، وقائداً، وحاكماً، وخليفة لهذه الأمة التي سلبها بنو أمية أعز شيء فيها، ألا وهو إرادتها ووعيها وفكرها بما بثوه فيها من كذب ودجل ونفاق من أبواق السلاطين ومزامير الشياطين الذين جمعهم معاوية بن أبي سفيان في الشام وراح يرقص على نفاقهم، ويطعن الأمة في دينها وفكرها وإرادتها.
الأمة في عهد الإمام الحسن، عليه السلام، لم يكن لها رأي إلا رأي بني أمية، وهؤلاء اللعناء رأيهم ينصبُّ للكرسي والحكم والخلافة ولا شأن لهم بالدِّين والإيمان، فشعارهم ما صرَّح به كبيرهم الذي علمهم الكفر صخر بن حرب بن أمية أبو سفيان حيث قال لعثمان جهاراً نهاراً في بداية حكمهم: “صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية فإنما هو الملك ولا أدري ما جنة ولا نار”، وعن أنس أنه قال: “اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية”، فلا يعرفون معنى للدِّين أصلاً.
ولذا تجد أن معاوية عندما دخلت الأمة في موادعة الإمام الحسن السبط، عليه السلام، ليجمع شتات هذه الأمة ويمنعها من شق العصا والتفرقة والشرذمة، وليُعطي الأمة فرصة لتلتقط أنفاسها ويتبين لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وتعي الحق وأهله والباطل وحزبه، ولكن أبان معاوية الداهية العاوية على منبر من منابر رسول الله، صلى الله عليه وآله، حين قام بمعسكر النخيلة في الجمعة، فخطب وقال: “إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك، إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك، وأنتم كارهون”، ثم يُضيف بكل صلافة أموية، وجلافة قرشية، ووقاحة بدوية: “وكل عهد ووعد أعطيته الحسن بن علي هو تحت قدمي لا أفي له بشيء منها” ومزَّق الكتاب وداس عليه.
ولم يقم أحد من الأمة وهم يحفظون أحاديث رسول الله، صلى الله عليه وآله، في الإمام الحسن، عليه السلام، وأنه سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله، صلى الله عليه وآله، ومعاوية بقية الأحزاب الملعون بلسان الكتاب ورسول رب الأرباب بأحاديث كثيرة يلعنه وأباه وأخاه ويأمر بضرب عنقه، وبقر كرشه إن نزى على منبر رسول الله، صلى الله عليه وآله، ولكن لم يفعلوا ولم يُفلحوا كما كان يقول ذاك الصحابي الأنصاري معترفاً بتقصيرهم بتنفيذ أمر رسول الله.
- الإمام الحسن هو الولي
نعم؛ كل الأحاديث والروايات تُشيد بولي الله وسبط رسوله، وتلعن وتقصي عدو الله ابن هند آكلة الكبود، فالرسول الأكرم قال: “الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا”، أي لا يجوز لأحد أن يتقدَّم عليهما، وأولاً الإمام الحسن المجتبى، فهو إمام الأمة إن قام وإن قعد، وهو وليها، وقائدها، وسيدها، وحاكمها، وخليفتها إن قام أو قعد في كل حالاته وأوضاعها فمَنْ عرف ذلك له وآمن به وسلَّم له قياده وزمام قلبه وعقله ودينه فهو السعيد حق السعيد في الدنيا والآخرة وإلا فهو في حزب معاوية ويزيد في الآخرة.
وهذه الحقيقة بالنسبة لولاية وقيادة وإمامة الإمام الحسن المجتبى، كانت غائبة تماماً عن أذهاب وفكر الأمة الإسلامية في عصره لكثرة البلابل والفتن والحروب الداخلية في الدولة الإسلامية وكلها كانت بتوجيه وقيادة أموية للحزب القرشي، حيث كان يقودها معاوية وصاحبه في الغدر عمرو بن العاص السَّهمي، فكانت الأمة في حيص بيص لا تعرف الحق وأهله، ولا الباطل وحزبه للأسف الشديد، فكانت أشبه بأمة مستلبة الإرادة، وغائبة الوعي، لا تعرف أين تضع رجلها، فوضعتها في غرز بني أمية فقادوها إلى المقصلة برجليها وذبحوا أماثلها وفضلائها وأهل الدِّين والشرف والكرامة والشهامة فيها وما تركوا إلا أشباههم وأذنابهم ومَنْ لا خطر لهم فيها لتفاهتهم وضآلة رأيهم وفشلهم في واقعهم.
📌قيادة وإمامة الإمام الحسن المجتبى، كانت غائبة تماماً عن أذهاب وفكر الأمة الإسلامية في عصره لكثرة البلابل والفتن والحروب الداخلية في الدولة الإسلامية وكلها كانت بتوجيه وقيادة أموية للحزب القرشي
وهذا ما نبَّه عليه رب العالمين في كتابه حيث قال عنهم: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}، (الإسراء: 60)، وفي السنة النبوية المطهرة لعنتهم بالاسم، وكذلك ما قاله الإمام علي، عليه السلام، محذِّراً الأمة منهم: “أَلَا وَإِنَّ أَخْوَفَ اَلْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ عَمَّتْ خُطَّتُهَا وَ خَصَّتْ بَلِيَّتُهَا وَأَصَابَ اَلْبَلاَءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا وَأَخْطَأَ اَلْبَلاَءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا وَأَيْمُ اَللَّهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوءٍ بَعْدِي كَالنَّابِ اَلضَّرُوسِ تَعْذِمُ بِفِيهَا وَتَخْبِطُ بِيَدِهَا وَتَزْبِنُ بِرِجْلِهَا وَتَمْنَعُ دَرَّهَا لاَ يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لاَ يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلاَّ نَافِعاً لَهُمْ أَوْ غَيْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ”.
هذا ما وقعت به الأمة في عهد الإمام الحسن، فالحليم كان فيهم حيراناً، والذكي الألمعي لا يعي ما يقول في محضر سيده وإمامه حيث تقرأ في التاريخ عجباً من أولئك الكبار الذين كانوا يأتون إلى الإمام الحسن المجتبى، كما في الرواية: “فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ اَلشِّيعَةُ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ يَا مُذِلَّ اَلْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: “مَا أَنَا بِمُذِلِّ اَلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنِّي مُعِزُّ اَلْمُؤْمِنِينَ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُكُمْ لَيْسَ بِكُمْ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ سَلَّمْتُ اَلْأَمْرَ لِأَبْقَى أَنَا وَأَنْتُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا عَابَ اَلْعَالِمُ اَلسَّفِينَةَ لِتَبْقَى لِأَصْحَابِهَا وَكَذَلِكَ نَفْسِي وَأَنْتُمْ لِنَبْقَى بَيْنَهُمْ”.
وقَالَ لأحد أصحابه: “أَ لَسْتُ حُجَّةَ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى خَلْقِهِ وَإِمَاماً عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أَ لَسْتُ اَلَّذِي قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، لِي وَلِأَخِي: اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَأَنَا إِذَنْ إِمَامٌ لَوْ قُمْتُ وَأَنَا إِمَامٌ إِذْ لَوْ قَعَدْتُ، يَا أَبَا سَعِيدٍ عِلَّةُ مُصَالَحَتِي لِمُعَاوِيَةَ عِلَّةُ مُصَالَحَةِ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِبَنِي ضَمْرَةَ وَبَنِي أَشْجَعَ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ اِنْصَرَفَ مِنَ اَلْحُدَيْبِيَةِ أُولَئِكَ كُفَّارٌ بِالتَّنْزِيلِ وَمُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ كُفَّارٌ بِالتَّأْوِيلِ، يَا أَبَا سَعِيدٍ إِذَا كُنْتُ إِمَاماً مِنْ قِبَلِ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُسَفَّهَ رَأْيِي فِيمَا أَتَيْتُهُ مِنْ مُهَادَنَةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ وَإِنْ كَانَ وَجْهُ اَلْحِكْمَةِ فِيمَا أَتَيْتُهُ مُلْتَبِساً”،ولكن أين الوعي في الأمة لتدرك هذا الأمر للإمام الحسن؟
فمسألة القيادة والإمامة هي مسألة الرأس من الجسد، وإذا كان الرأس مثل معاوية فالجسد سيكون ولا شك في الهاوية، لأن الرأس الفاسد سيُفسد الجسد كله، لأنه سيكون بلا وعي ولا إرادة واعية لتعرف الحق فتتبعه، من الباطل فتجتنبه، وتلك هي محنة الإمام الحسن المجتبى، وقيادته الربانية لهذه الأمة الغير واعية بنفسها ودينها ومصلحتها فضحَّى إمامها الحسن المجتبى، بكل شيء من أجلها، فضحَّت به وبولايته وإمامته ليرضى رأسها الأموي الفاسق الفاسد معاوية، فتاهت في ظلمات الجهل وأعادها بنو أمية إلى الجاهلية بأقدامها الخشبية، وأعادوها إلى الظلمات بعد أن أنقذهم الله منها وأدخلهم في بحبوحة الأنوار الربانية والرسالة الرحمانية.
السلام على الإمام الحسن المجتبى يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث مظلوماً.