يعد الإمام السجاد، عليه السلام، العامل الرئيسي الذي خلّد ثورة الحسين، عليه السلام، لانه نقل صوت الإمام الحسين عاليا الى الأمة الضالة من خلال مواقفه البطولي، يكفينا القول: انه من خلال تعلقه بالله استطاع ان يقلب النصر العسكري ليزيد في كربلاء إلى هزيمة منكرة وهو يعاني من آلام المرض، و قيود الأسر ولكنه استطاع ان يبرز الوجه الحقيقي المضيء للثورة الحسينية.
أصبحت سيرته، عليه السلام، مثالا يقتدى به والنموذج الراقي في التضحية والعبادة وترك اثره في قلب كل من عرفه.
كان، عليه السلام، يحرص استغلال المناسبات والحوادث ليعرض مظلومية ابيه الإمام الحسين، عليه السلام، ولم يكن هدفه ان يوجه الانظار في بكائه لعظم المصيبة فحسب وان كان ذلك مطلوب، بل كان هدفه ان يخلّد الثورة الحسينية في نفوس الأجيال كلما عُرضتْ سيرته على الأمة لاسيما وان الروايات ذكرت سيرته بعد الطف.
- وصف الإمام السجاد رحلة الا سر من كربلاء إلى الكوفة
بعد استشهاد الإمام الحسين، عليه السلام، وسائر اهل بيته واصحابه وكان هذا السفر تحت رعاية الظالمين والقتلة الارهابين ويصف الإمام السجاد، عليه السلام،حالهم في السفر بقوله: “لما وفدنا إلى يزيد بن معاوية أتوا بالحبال وربطونا كالاغنام وكان الحبل في عنقي وعنق ام كلثوم وكتف زينب وسكينة والودايع النبوية وكلما قصرنا عن المشي ضربونا حتى اوقفونا بين يدي يزيد وهو على سرير مملكته”.(الجزائري، الخصائص الزينبية، ص١٧٤).
📌 كان السجاد عليه السلام، يحرص استغلال المناسبات والحوادث ليعرض مظلومية ابيه الإمام الحسين، عليه السلام
لو تحدثنا عن شجاعته، عليه السلام، لكفانا موقفاً واحداً في الكوفة حين ادخل على عبيد الله بن زياد اللعين ذلك الطاغية المتجبر، وقد زاد من عنفوانه انتصاره على الإمام الحسين، عليه السلام، فوقف مزهواً يستعرض الأسرى الذين جيء بهم إلى مجلسه، وبدأ يسأل عن اسمائهم حتى وصل إلى الإمام زين العابدين، عليه السلام، فقال له ما اسمك: قال السجاد على بن الحسين.
قال اللعين اوليس قد قتل الله عليا؟
قال الإمام: كان لي اخ اكبر مني اسمه علي قتله الناس.
قال الطاغية: بل قتله الله.
قال الإمام السجادع الذي لايتكلم الا بالقرآن: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. عندها انبرى السجاد مخاطبا الذين اقترفوا الجريمة: “كتبتم إلى ابي وخدعتموه وأعطيتموه من انفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه فبأي عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ يقول لكم: “قتلتم عترتي وأنتهكتم حرمتي فلستم من امتى”.
صانت السيدة زينب، استمرار الإمامة المعصومة في الإمام علي بن الحسين السجاد، عليه السلام، بحركة فداء عظيمة حيث قالت لابن زياد عندما أراد قتل الإمام علي بن الحسين: “أن اردت ان تقتله فاقتلني معه”، فنظر ابن زياد لعنه الله إلى اصحابه وقال: عجبا لرحم والله اني لاظنها ودت لو اني قتلته إني قتلتها معه. (الطبري، التاريخ، ج٥، ص٤٥٨).
هذه من أعظم المحن التي فجع بها الإمام زين العابدين حين رأي تلك البدور الطالعة من اهل بيته واخوته تحصدها سيوف بني أمية واحدا بعد واحد ورأى والده الإمام الحسين، وحيدا تحيط به الفئة الباغية من بني أمية الطلقاء، وقد قطعته بالسيوف إربا إربا، وفصلت راسه ورووس اهل بيته، وحملتها على الرماح إلى يزيد الفاسق ابن ميسون في الشام .
- الدور الرسالي الاعلامي للإمام السجاد في فضح عروش الكفر في الشام
ان قراءة تأملية في مسيرة السبايا من الكوفة إلى الشام تؤكد ثورة انقلابية أحدثتها العقيلة زينب والسجاد، عليهما السلام، ضد حكم الامويين، وضد الجيش الذي حمل الرؤوس حيث كان الناس ينتفضون ضده ويهاجمونه ويحاولون اخذ راس الإمام الحسين، عليه السلام، ودفنه ليكون فخرا لهم يوم القيامة وهذا مافعله اهل الموصل ونسرين وحماه وحمص ولينا وجهينة.
استطاع الإمام السجاد، عليه السلام، وعمته العقيلة زينب، ان يحولا مجلس يزيد إلى مأتم عزاء للإمام الحسين، عليه السلام، وان يُفضح يزيد الذي دعا وجوه اهل الشام، واجلسهم حوله، وأمر بإدخال علي بن الحسين والرؤوس والسبايا عليه مربطين بالحبال، فقال له علي بن الحسبن: انشدك الله يا يزيد ماظنك برسول الله، صلى الله عليه وآله، لورانا على مثل هذه الحالة،، فلم يبقَ أحد ممن كان حاضرا إلا بكي.
وبعد أن اذن يزيد للإمام السجاد، صعود المنبر، فعرفهم بنسبه الشريف وبالجريمة النكراء التي اقترفها يزيد بحق الإسلام.
لقد نالت السيدة زينب، عليها السلام، لقب الأمينة على الإمامة المعصومة بكل جدارة واستحقاق ،ولهذا استودعها الإمام الإمام الحسين، عليه السلام، أمانة عظيمة وهي الحفاظ على بقية اهل البيت، وهو الامام علي بن الحسين السجاد حتى لاينتهي نسل آل محمد في الارض.
فكانت العقيلة هي الامينة على الإمامة المعصومة وهذا غاية في الشرف والفخر والعز كما استودعها اخاهاالامام الحسين، في الحفاظ على عياله وأهل بيته بعد استشهاده.
ولقد حملت السيدة زينب الأمانة وهي طفلة صغيرة عندما أوصتها امها الزهراء، عليها السلام، وهي على فراش الموت ان تصحب اخويها وترعاهما وتكون لهما من بعدها اما واختا فمارست دورالامومة وهي في مرحلة الطفولة. (بنت الشاطي، السيدة زينب ع، ص٤١).
ويعد الإيثار أعلى درجات الكرم والسخاء والجود لانه تفضيل الآخر على النفس، ولقد أعطت السيدة زينب، عليه السلام، أروع الدروس في الإيثار في كربلاء والكوفة وطريق السبي، وفي موقف آخر وفي أحد ايام رحلتهم إلى الشام وكان يوما شديد الحر، اقبلت، عليها السلام، إلى ظل جمل هناك وقد أمسكت بالامام السجاد، عليه السلام، وهو في حالة خطرة قد اشرف على الموت من شدة العطش وبيدها مروحة تروح بها عنه من الحر وهي تقول: “يعز علي ان أراك بهذا الحال يابن اخي”. (النقدي، حياة السيدة زينب ع، ص١٦).
مارست السيدة زينب حريتها بكل وعي وادراك دون إن تضطرها الضغوط والشدائد ان تلين، فعندما طلب يزيد اللعين في الشام لقاء الإمام السجاد، عليه السلام، تحدثت معه عمته زينب قائلة: “يا قرة عيني وسلوة فؤادي لا تكلمه لا بكلام هين وقول لين فإنه ظالم عنيد وشقي شديد لا يخاف من الله ولايستحي من رسول الله ووليه”. (الجزائري، الخصايص الزينبية، ص١٩).
الأمر الذي يدل على حلمها وحسن أخلاقها وكيف لا وهي حفيد ةرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وابنة الإمام علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام.
حين أرادوا العودة والرجوع من الشام حول يزيد لعنه الله أن يصب الاموال على نطاع من حرير خالص مفروش في مجلسه يريد تقديمها لأهل البيت السجاد وزينب، لتكون ديةً قتلاهم وعوضا لاموالهم المنهوبة قائلا: “خذوا هذه الأموال عوض ما اصابكم”. فردت عليه السيدة زينب مستنكرة ومستهجنة لفعله بقولها: “ما أقل حياك واصلف وجهك تقتل اخي وأهل بيتي وتعطيني عوضهم”. (القرشي، حياة الإمام الحسين ع، ص٤١٤).
وكانت ردة الفعل سريعة على يزيد بعد خطبة الإمام السجاد وزينب، فتحولت أفراح الانتصارالاموي الى مأتم حسيني في قصر يزيد . ولما خاف يزيداللعين من انقلاب الامرعليه.
امر بارسال الحوراء زينب والإمام زين العابدين، عليهما السلام، وباقي النسوة إلى المدينة على جناح السرعة وأمر ان يسير الموكب ليلا لانه خشي وقوع الفتنة بعد أن اضطربت الأوضاع عليه.
📌 أصبحت سيرته، عليه السلام، مثالا يُقتدى به والنموذج الراقي في التضحية والعبادة وترك اثره في قلب كل من عرفه أصبحت سيرته، عليه السلام، مثالا يُقتدى به والنموذج الراقي في التضحية والعبادة وترك اثره في قلب كل من عرفه
وفي المدينة المنورة اخذ الإمام السجاد، يردد تلك المأساة ويذكر ما صنع الامويون بأبيه ويبكي لذلك، حتى أصبح من البكايين، فكان من أولى مهامه في الفترة التي عاشها بعد كربلاء إبقاء هذه الحادثة وهذه الواقعة ساخنة في وجدان وضمائر الناس.
الإمام السجاد وعمته زينب، كشفا لمن لم تصله، او تدركه واعية الإمام الحسين، زيف التضليل والخذلان والهوان، كلام دوى من على المنابر في عقر دار الطاغية يزيد اللعين في الشام.
- الامام السجاد النموذج الراقي في العبادة بعد الطف
مهما تعاقبت الأزمان فإن الإمام الحسين سيبقى منار هدى وسفينة نجاة، وكان للإمام السجاد، اثره في قلب كل من عرفه بعد الطف لأنه كان رجل الإيمان والقدوة الحسنة، ويمكن ان نستعرض سيرته بعد الطف على النحو الآتي:
اولا: بكاؤه على ابيه الإمام الحسين، عليه السلام، وكان له هدف كبير من ذلك، إذ استطاع بذلك ان يخلّد نهضة ابيه الإمام الحسين، في الأمة ولم يكن هدفه ان يوجه الانظار لعظم المصيبة فحسب وان كان ذلك مطلوبا، بل كان يهدف إلى هدف أعمق من ذلك، وهو أن يخلّد ثورة الإمام الحسين ع في نفوس الاجيال.
ثانيا: نشر الفكر الإسلامي الصحيح، وبث العلوم لأجل إصلاح الامة، وابعادها عن الفكر المنحرف الذي روّجت له السياسة الاموية، وكان لادعيته اثر واضح في تربية وتوجيه الأمة نحو الصلاح والإصلاح .
ثالثا: كان كثيرالبر والإحسان إلى العبيد، وكان الرق منتشراً في ذلك الزمن فكان يشتري الرقيق بامواله ويعلمهم ثم يحررهم، وبالتالي اسس مدرسة عظيمة منهم من كانوا تلامذةَ الامامين الباقر والصادق عليهما السلام.
الإمام السجاد، عليه السلام، كشف حقيقة الأمر وزيف الطلقاء من بني امية في عقر دار الطاغية في الشام وما جرى في طف كربلاء من اعتداء، وعدوان على سبط النبوة المحمدية التي أرادت الإصلاح، وانقاذ الأمة و الدين من الضلال والزيف والهوان، ومهما تعاقبت الأزمان، فإن الإمام الحسين، عليه السلام، سيبقى منار هدى وسفينة نجاة.
فهنيئا لهم من أمة الإمام الحسين، عليه السلام، التي بقيت في مشارق الارض ومغاربها على العهد تقيم المراسيم الحسينية وطقوسها، هدفها المبادئ والأفكار الإسلامية الانسانية، التي بدأت بخطب الإمام السجاد، وعقيلة الطالبيين السيدة زينب جبل الصبر، عميدة الإعلام الحسيني في الكوفة والشام.
السلام على الحسين، وعلي بن الحسين، وأولاد الحسين، وانصار الحسين، السلام عليك يا ابا الفضل العباس ساقي عطاشى كربلاء.