هذا ما شاهدناه خلال الزيارة الشعبانية

خلال حديثنا مع هيأة التحرير عما يجب تسليط الضوء عليه الآن في قالب العمود الصحفي (الرأي او حديث الناس)، استذكرنا الشهيد الشيخ حسن شحاتة، ذلك الخطيب من أرض الكنانة (مصر) الذي صدح بالحق دون خوف من لومة لائم، طالباً مرضاة الله في الدفاع عن أهل بيت رسول الله، صلوات الله عليهم، وكنت متحفزاً جداً لاستذكار هذا البطل الشهيد الذي ضحى بنفسه في أيام ذكرى مولد الحجة المنتظر في القاهرة، وما جرى عليه من اقتحام لداره وهو يحتفل بالذكرى، ثم قتله وسحله في الاحداث المعروفة لدى الجميع. ولكن!

جرحٌ في القلب قديم، وغصّة مستدامة بسبب بعض المظاهر من زائرين للإمام الحسين، عليه السلام، في كربلاء المقدسة، جعلني أقدم هذا البوح بالألم على الموضوع الاول علّنا نجد له علاجاً ناجعاً لمن ألقى السمع وهو شهيد، ومن يعرف قيمة هذه المدينة، ومنزلة الإمام الحسين، وزيارته العظيمة في الليلة قبل الماضية (مساء الجمعة)، ومن يعرف قيمة التضحيات الجسام التي قدمها اخواننا واخواتنا طيلة عقود وقرون من الزمن، وما تزال، من أجل الإبقاء على حرارة اسم الامام الحسين في القلوب، لا أن تتجمد وتصغر وتضمحل.

ليس من الجديد أن نرى مظاهر التبرّج وإظهار المفاتن من بعض النسوة، والتمظّهر الممجوج بملابس وتسريحات شعر من بعض الشباب خلال مراسيم الزيارة الحاشدة لمرقد الامام الحسين في كربلاء المقدسة. كل ليلة جمعة طيلة أيام السنة نلاحظ هذه الظاهرة المؤسفة ممن نعدهم بين الزائرين، يتجولون حول حرم الامام، بل وبين الزائرين لضريحه الشريف، وفي ليلة النصف من شعبان، وايضاً في الزيارات المليونية الاخرى، ترتفع نسبة الظهور المناقض لفلسفة الزيارة اساساً، وفي ذلك علل لسنا بوارد الخوض فيها، ربما نتركها لخبراء علم النفس، وكيف يؤثر الحضور المتزايد في الناس في زيادة الرغبة في الظهور لجذب مشاهدات أكثرّ؟!

ما يهمنا هنا جانبين من القضية؛ الاول: الدوافع، والثاني: الموانع.

نفترض من حيث المبدأ أن وجود فتاة بطول فارع، مكتنزة الجسم، لا يمكن ان تقل عن تسعة سنوات من العمر وهي حاسرة الرأس، مرتدية البنطرون الجينز مع القميص، او تلك المرأة التي تجمع بين العباءة على الرأس والمكياج في الوجه، واحياناً تضاف اليها نفحة من العطور الجاذب، وغيرها من المظاهر في جهل الأب أو الزوج المحترم الذي يصطحب افراد عائلته بتفاصيل الاحكام المتعلقة بملابس الفتاة والمرأة في الشارع، بل والجهل في آثار هذا النوع من التمظهر في الشارع على سلوك الشباب ونفوسهم، هذا فقط، وليس ثمة دوافع آخر.

ولنا مع هؤلاء وقفة تأمّل.

أما الجانب الثاني فهي الموانع المفترض وجودها للحد من وجود مظاهر كهذه في شارع يزدحم بالزائرين الى مرقد  الامام الحسين، شهيد معركة الطف الخالدة.

يذكرني هذا بما أثار انزعاج وصدمة القضاة في المحاكم العراقية وقد غرقوا بملفات الطلاق المتراكمة على طاولاتهم؛ أين علماء الدين؟ اين خطباء المنبر الحسيني؟ انقذوا المجتمع من التفكك والتمزق!

إذن؛ نحن أمام استحقاق التوعية والإرشاد حتى لا يقول قائل: {إنا كُنّا عن هذا غافلين}، بل ونكون في خطوة متقدمة على الإرشاد، في إفادة الناس والمساعدة على وصولهم لمكامن الخير والفضيلة والسعادة.

المؤسسات الدينية والثقافية عليها المسؤولية الأكبر لتوضيح خطأ هذه التصرفات في الشارع، كما على مؤسسات الدولة مسؤولية أخرى لمعالجة هذه الظاهرة التي يفترض ان لا تكون معقدة وصعبة.

بالامكان تنظيم الأمر في مسارين متوازيين؛ التعليم والتشديد، الاول بإطلاق مشروع توعية وتثقيف مستدامة دون انقطاع في هذه المدينة المقدسة، للتعريف عما خفي عن البعض، او التذكير لمن نسي ما سمعه وعرفه، فالكثير يدعي الفهم والمعرفة. كما نحتاج الى التشديد في الاجراءات وتفعيل القوانين الرادعة لمن يتقصّد الإساءة الى الذوق العام، والتنكّر لهوية المدينة، او تحدي الاعراف والتقاليد بحجة الانفتاح او الحرية وما شابه من الاعذار غير المنطقية.

أما وقفتنا مع من يجهل الاحكام، ويدّعي حسن النية فيما يعرضه أمام الناس في الشارع، نقول له: إن ارض كربلاء؛ المدينة التي نتجول فيها كل يوم، كانت في سنة 61للهجرة مليئة بالاشلاء والأيدي والرؤوس، وبقايا السيوف والنبال من آثار معركة مدوية في صفحات التاريخ، كما سكبت على هذه الأرض الدموع الساخنة من الارامل والايتام، واختلطت بدماء الشهداء الابطال.

فاذا حصل لأي امرأة التوجه الى مجلس عزاء أحد اقربائها، هل تلوّن وجهها، او تنفث العطور على ملابسها، وتلبس الالوان الزاهية؟! وكذا الأمر ينسحب على بعض الشباب المحب للظهور بشكل لافت بملابسه وتسريحة شعره، وفي أصوات الاغاني المرتفع من سيارته.

ما يحزّ في النفس حقاً؛ أننا نلاحظ هذه المظاهر في كربلاء المقدسة بمناسبة تتعلق بإمام معصوم غائب حاضر بيننا، و ربما يشاهد جموع الزائرين المتجهين الى مرقد جدّه سيد الشهداء، في ليلة النصف من شعبان، بمعنى أننا نسيئ –من حيث لا نشعر- الى الإمام الحسين، الشهيد المذبوح في مرقده الشريف، كما نُسيئ ايضاً الى الإمام المهدي المنتظر، عجل الله فرجه الشريف، وهو حيّ ينظر الينا بأسى وأسف، والروايات الشريفة تقول أن صحائف أعمالنا تعرض على الإمام الحجة المنتظر في مناسبات عدة، منها؛ النصف من شعبان، وليلة القدر، وينقل العلماء أنه، عجل الله فرجه، يشعر بالارتياح والسرور من أعمال البر والتقوى، كما يظهر تبرّمه وانزعاجه من الاخطاء التي يرتكبها البعض.

القضية لا تتعلق بليلة او يوم، او طقوس عبادية محددة بزمن، كما ليست القضية محدودة ببقعة من الارض، إنما نحن مسؤولون عن قضية حضارية متكاملة وضع أسسها الامام الحسين، عليه السلام، في نهضته المباركة لأهل العالم أجمع، وليس فقط أهل العراق، والمسلمين فقط في ان ينعم الجميع بالحرية مع الكرامة الانسانية، والمساواة والعدل وتحكيم قيم السماء، فهذا تحديداً هو الذي دفع شخص مثل الشيخ حسن شحاتة لأن ينتفض من الداخل ويغير مسيرة حياته ليلتحق بسفينة الامام الحسين ويثبت اسمه في ديوان الانصار الذين نكرر  القول أمامهم: “ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً”.