مقدمة
المرأة في الحقيقة هي نصف الإنسانية اللطيف، والضعيف، وصحيح ما يقولونه: بأنها نصف المجتمع باعتبار المجتمع مؤلفاً من الرجال والنساء فقط، وليس المقصود العدد.
والمرأة في التاريخ العربي كانت مضطهدة بشكل عجيب، بحيث أنهم كانوا يدفنونها حيَّة عند ولادتها، أو بعد أن تكبر وهي العادة الاجتماعية التي استنكرها الله ـ سبحانه ـ وأنزل فيها آيات بينات وكريمات كقوله سبحانه: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}. (النحل: 58)، وقوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}. (الزخرف: 17)، لأنهم كانوا يقولون: أن الملائكة بنات الله.
وأما الآية الكريمة التي تتحدث عن الوأد فهي قوله سبحانه مستنكراً لها: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}. (التكوير: 8 – 9)، فتلك العادة المستهجنة، بل تلك الجريمة المنظمة التي كانت منتشرة في العرب وقريش هي من أبشع أنواع الظلم الاجتماعي بحق المرأة، رغم أنها كانت لا قيمة لها في بيتها فهي تُستخدم كسلعة تُباع وتُشترى وحتى تُورَّث كبقية الأشياء والعجيب أنهم كانوا يتزوجوهن بما سمَّاه الله ـ سبحانه ـ بزواج المقت، قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}. (النساء: 22).
حقيقة المرأة في نظر أمير المؤمنين عليه السلام
وهنا نعلم كم كانت منَّة الإسلام على المرأة التي أنصفها، وأعطاها حقوقها وبوَّأها مكانتها في البيت كأميرة، وفي المجتمع كإنسان له كل الصلاحية والشخصية الاعتبارية، ولا يوجد دستور ولا قانون من قوانين الأرض الوضعية أنصف المرأة بحق كما فعل الدِّين الإسلامي الحنيف، وهذه حقيقة عاشها فكراً وممارسة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، فتى الإسلام ونفس النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله، ولذا البحث عن المرأة كإنسانة، وكزوجة، وكبنت، وأخت، وحفيدة وغيرها من المراتب له جماليته وواقعيته في فكر ومنهج الإمام علي، عليه السلام، وهو سياحة وسباحة في بحر عميق من الرُّؤى والكلمات التي يمكن أن نستفيدها من أمير البلاغة ونهجها وسنكتفي ببعض الكلمات العلوية في ذلك.
من أجمل وأجمع الوصايا لأمير المؤمنين ما يوضِّح رأيه بالمرأة قوله، عليه السلام: “وَإِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ رَأَيَهُنَّ إِلَى أَفْن (نقص)، وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْن (ضعف).
المرأة في التاريخ العربي كانت مضطهدة بشكل عجيب، بحيث أنهم كانوا يدفنونها حيَّة عند ولادتها، أو بعد أن تكبر وهي العادة الاجتماعية التي استنكرها الله ـ سبحانه ـ
وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ، وَلَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مَنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لاَيُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ.
وَلاَ تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ، وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَة (سلطانة قاهرة).. وَلاَ تَعْدُ (تتجاوز) بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا، وَلاَ تُطْمِعْهَا أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا.
وَإِيَّاكَ وَالتَّغايُرَ(الغِيرة) فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَة، فَإِنَّ ذلِكَ يَدْعُوالصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ، وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ”. (نهج البلاغة: وصيته للإمام الحسن ، عليه السلام،ك 31).
المرأة ريحانة الدنيا
فالمرأة ريحانة، وزهرة، ووردة هذه الدنيا، وليست بقَهْرَمانة؛ وهي التي تحكم في الأمور، وتتسلَّط، وتتصرَّف فيها بأمرها أي تكون حاكمة وسلطانة وتقهر الناس في أقوالها وأفعالها فإن ذلك ما يُخرجها من وظيفتها التي خلقها الله لأجله، فهي منبع الحب والعطف والحنان، لزوجها وأبنائها فإذا خرجت من بيتها صارت كزهرة ضعيفة تتقاذها الريح وتتناولها العيون الطامحة والأيدي الآثمة، بالسوء والأذى.
وهنا نذكر ذاك التوجيه الراقي لأمير المؤمنين، عليه السلام، حيث روي أنه، عليه السلام، كان جالساً في أصحابه، فمرّت بهم امرأة جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم.
فقال عليه السلام: “إِنَّ أَبْصَارهذِهِ الْفُحُولِ طَوَامِحُ، وَإِنَّ ذلِكَ سَبَبُ هَبَابِهَا(هياجها)، فإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى امْرَأَة تُعْجِبُهُ فَلْيُلاَمِسْ أَهْلَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَهٌ كَامْرَأَة”. (النهج: ح410).
فالمرأة بطبيعتها وتكوينها شيء واحد ولكن تختلف الأشكال والألوان لتناسب الأذواق الأخرى، لأنها ليس على نفس المستوى وبنفس النظرة فهي في الحقيقة رحمة من الله بهذا الإنسان الرجل والمرأة على حدٍّ سواء ولو كانت الأذواق واحدة لكانت النساء متشابهة، ولاختلط الحابل بالنابل كما يقولون في الأمثال.
وهنا يُعطي أمير المؤمنين، عليه السلام، قاعدة عامة للرجال ليحفظوا أنفسهم من الوقوع في الخطيأة والمعصية لا سمح الله، وذلك مع مراعاة ما أودع الله فيهم من غريزة تطمح للوصول إلى كل شيء لا سيما الجمال، ولكن الجمال نسبي، وكأنه قال لهم: هذا شيء طبيعي في الرجال عندما يرون امرأة جميلة ودواء ذلك أن يذهب إلى زوجته فإنه سيجد عندها حاجته وهي كهذه المرأة تماماً، وإن اختلف اللون والشكل والنتيجة واحدة هي اسكات صوت الغريزة واطفاء نار الشهوة فيهم، ولكن بهذا التوجيه الراقي والكلام المهذب العالي فعلاً.
فالمرأة وردة عالية، ودرَّة غالية، واجب حفظها وصيانتها من تناول الأبصار بالنظر، والأيدي بالأثر فضرب الله ـ سبحانه ـ دونها حجاب العفة والكرامة صيانة لها وحفاظاً عليها من الأشرار، وهذا التشريع الراقي بالنسبة للمرأة هو الذي جعل لها كرامة في المجتمع، ولولاه لكانت كحالها في الغرب الآن حيث جعلوا منها لعبة لتفريغ شهواتهم الحيوانية، وسلعة رخيصة يستعملونها كمادة إعلامية وإعلانية لتعرض الحذاء على حسابها كلها، فكم امتهنت هذه الحضارة المرأة، وكم استهانت بشخصيتها؟
وها هي جميع النساء العاقلات بدأت تشعر بالخطورة التي أوقعوها فيها فخسرت كل شيء فيها لصالح الرجل الذي ضحك عليها ببعض الكلام المعسول والشعارات الكاذبة، فأخرجها من قصرها وبيتها، ونزع عنها حصنها وحجابها وألقى بها في صحراء الحياة يتقاذفها الرجال يميناً وشمالاً وهي الناعمة، والبسيطة، والضعيفة.
كم كانت نظرة الإسلام عظيمة ورحيمة وواقعية للمرأة، ومنها كانت نظرية ورؤية أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، لها بحيث جعلها في المكان الطبيعي الذي خُلقت له، في البيت لتكون سيدة محترمة، وليس في الشارع والسوق، والعجيب أنه في يوم من الأيام صعد أمير المؤمنين، عليه السلام، على منبر المسجد في الكوفة وهو غاضب وقال: “يا أهل العراق؛ نُبِّئتُ أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق، (والعلوج في الأسواق)، أما تستحون، ولا تغارون”.
كانت نظرة الإسلام عظيمة ورحيمة وواقعية للمرأة، ومنها كانت نظرية ورؤية أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، لها بحيث جعلها في المكان الطبيعي الذي خُلقت له، في البيت لتكون سيدة محترمة، وليس في الشارع والسوق
عندما يقرأ الإنسان هذه الكلمات الخالدة والمواقف الشاهدة من سيرة ومسيرة الإمام أمير المؤمنين، عليه السلام، في حياة الأمة يستغرب إلى ما وصلنا إليه من تردي في القيم الاجتماعية في هذا الزمن الذي ضاعت فيه القيم، والعفة، والفضيلة، وما يُميِّز المرأة الصالحة التي عُرفت بها مجتماتنا المؤمنة عبر العصور والدهور لأنهن يتَّخذن من سيدة النساء فاطمة الزهراء، عليه السلام، وبضعتها الحوار زينب الكبرى، عليه السلام، قدوة وأسوة لهن في حياتهن.
وهنا نستذكر هذه القصة الرائعة التي تُعطينا درساً للمراة وعفَّتها وعظمتها وكرامتها، ومنهجاً تربوياً راقياً للبنات خاصة وهي القصة المعروفة عن تعامل أمير المؤمنين، عليه السلام، مع بضعته السيدة زينب، عليه السلام، فكانت إذا أرادت أن تزور جدها، أو أمها فلا يُخرجها أمير المؤمنين، عليه السلام، إلا ليلاً وكانت تحوطها ليوث العرين، وسادة الخلق أجمعين، فكان يتقدَّمها أخوها وكافلها أبو الفضل العباس، عليه السلام، وبيده السِّراج، والإمام الحسن عن يمينها، والإمام الحسين عن يسارها، وأمير المؤمنين، عليه السلام، من خلفها، وهكذا تسير إلى أن تصل فما أن يستقر بها المقام حتى يُطفئ أمير المؤمنين، عليه السلام، السِّراج، فسأله ولده عن ذلك فقال: “حتى لا يرى أحد خيال أختك زينب“.
الله أكبر؛ أي عظمة كانت تحمله السيدة زينب، عليه السلام، حتى يكون موكبها بهذه العظمة، وكم هي غيرتك يا أمير المؤمنين على ابنتك وبضعتك، فإنك لا تُريد أن يرى خيالها أحد من البشر، وفعلاً يُحدِّث التاريخ أن السيدة زينب، عليه السلام، لم ير أحد خيالها قبل كارثة عاشوراء، ولذا كانت مصيبتها هي المصيبة العظمى على أهل البيت، عليه السلام، عبر العصور والدهور.
هكذا نفهم ونعلم وليتنا نتعلم من سيرة ومسيرة أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، ونظرته إلى المرأة بالفكر والتنظير، والحياة والواقع، فإنه المنهج القويم، والعمل السليم الذي لو اقتدينا به لعرفنا قيمة المرأة وشخصيتها وكرامتها وشرفها وعظمتها.
السلام عليك يا أمير المؤمنين كم العالم بحاجة على نهجك ومهاجك يا مولاي.