{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
حينما نأكل طعاما لكي نشبع، وحينما نشرب الماء فلكي نرتوي، وحينما ننام لكي نستريح، وحينما نعمل لكي نحصل على معائشنا، وكل خطوة من خطوات الانسان لابد وأنها لغيرها، الذي يميز العاقل من الأحمق، أن الأول يستهدف من أي خطوة أمراً، والثاني لا يستهدف شيئا.
حينما يمشي العاقل فإنما يمشي لأمر ما، أو انه يلعب الرياضة مثلا، لكن أن يمشي إنسان دون أي قصد، فإنه يعرف أن وضعه العقلي ليس في محله.
إذا رأيت أن احدا يأكل الطعام أكثر مما يحتاج اليه، فإنك تعرف أنه سيصاب ببعض الأمراض، لأن كل شيء قدره الله في هذه الحياة، وكل خطوة يخطوها الانسان إنما هي لهدف معيّن ومحدد.
لكن الذي ينساه الناس أو لا يلتفتون إليه أمران:
الأول: هو أن كل نتيجة هي من قماشة الفعل، حتى وإن كان يتمنى الانسان غير ذلك، فإذا اعتنى احدهم بيتيم فإن النتيجة تكون من قماشة العمل، وإذا آخر يعتدي على يتيم فإن النتيجة ـ أيضا ـ من قماشة ذلك الفعل، فنتيجة الظلم ليست شيء جيد، وكذا العمل الصالح فإن نتيجته صالحة.
بعض الناس ينسون أن نتيجة العمل تعود الى العامل نفسه وليس الى غيره، فإذا كان هناك رجل من الصالحين يقوم بأعمال صالحة ولا يراه إلا الله، فإن أعماله الصالحة تعود إليه وليس الى غيره
جاء شاب الى النبي، صلى الله عليه وآله، قال يا رسول: إني احب أن ازني.
فقال له رسول الله: هل لك أم؟
قال: نعم
فقال رسول: هل تحب ذلك لأمك؟
قال: لا.
قال رسول الله: هل لك أخت؟
قال الشاب: نعم:
فقال رسول الله: وهل ترضى ذلك لأختك؟
قال الشاب: لا.
فقال رسول الله، صلى الله عليه وآله: اللهم طهره من نيته.
فلا يوجد أحد يريد أن يزني ويصون عرضه في نفس الوقت!، فكل عمل له نتيجة من قماشة العمل، فالذين يرتكبون الجرائم، ويقعون تحت قبضة القضاء، ويحكم عليهم بالسجن وبالغرامات وما اشبه، فإن المجرم في قرارة نفسه لا يلوم أحدا إلا نفسه.
وكذلك فإن نتيجة تراكم الخطأ خطيئة، فإذا أصرّ عليها اصبحت كبيرة، يقول الإمام علي، عليه السلام: “لاصغيرة مع الاصرار ولاكبيرة مع الاستغفار”.
الثاني: أن الناس ينسون أن نتيجة العمل تعود الى العامل وليس الى غيره، فإذا كان هناك رجل من الصالحين يقوم بأعمال صالحة ولا يراه إلا الله، فإن أعماله الصالحة تعود إليه وليس الى غيره.
يقول الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله: “الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا وإن شرا فشر”.
حتى النية تعود الى الانسان، فإذا نوى خيرا عادت اليه بالخير، وكذا إن نوى شراً فالنتيجة شراً بالنسبة اليه، قد تجلس مع احدهم ويأتي في بالك موضوع ما تريد طرحه عليه، وترى انه ايضا كان يفكر في ذات الموضوع، فالنيات لا تبقى حبيسة داخل القلوب، فالاشرار يكمنون النيات الشريرة، وهذه النيات تنتقل الى غيرهم، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “اقلع الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك”. لو كان الحاكم ظالما وسارقا فإن الناس يفكرون في السرقة والظلم أيضا.
نحن نحب الأعمال الصالحة، لأن الله ـ تعالى ـ اودع في ضمائرنا حب الصلاح والخير، فهل هناك شخص لا يحب الابطال في التاريخ؟
حتى أن بعض الشباب يبحث عن الابطال الخياليين في الافلام، كالذي يقفز من جبل الى آخر، ويواجه الاخطار وما اشبه، ذلك أن دور البطولة يحبه كل الناس؛ من قبيل الشجاعة والعطاء، والكريم، لكن لا يمكن أن يترجم ذلك الحب إلا إذا قلع الانسان الشر من صدره وقام بأعمال صالحة.
إنّ العاقل هو من يضع في كل عمل يعمله النتيجة التي تعود إليه
فمن يفكر ان الجنة غالية فهو مخطئ، بل النار هي الغالية، فالجنة تطلب من الانسان أن لا يقول إلا خيرا، وأن لا يفعل إلا خيراً، وأن يفكر الإنسان إلا في الخير فهو من أهل الجنة.
البعض يتشري النار بأغلى الأثمان، فتراه يسافر ويصرف الاموال لأجل شهوة يشبعها في لحظات، أحد الاشخاص كان ايام شبابه يتركب المعاصي، وفي إحدى المرات ذهب الى دولة ما لارتكاب المحرمات مع أنه كان متزوجا.
وبعد وصوله الى الفندق، بدأ يهيئ نفسه وحينما وقف أمام المرآة طالع وجهه:
وقال في ندم: جئت الى هنا لارتكاب الحرام! وعاد الى بلده.
جميعنا يبحث عن حسن العاقبة، من أدعية العراقيين: الله يجعل عواقبك خير، فإذا اردنا ان تكون عواقب أعمالنا خير، يجب أن تكون أعمالنا خير من الآن، فلا يمكن لأحد أن يسير في طريق الباطل والفسق والفجور، ثم يتمنى أن يتوب الله عليه في آخر لحظه من حياته، فمن يدري متى تكون آخر لحظه من حياته؟!
لذا يجب أن ينوي الإنسان التوبة والندم في كل لحظة، يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “الندم على الذنب توبة”، وذلك يكون فيما بين العبد وربه، أما حقوق الناس فإن الله لا يغفرها إلا أن يغفرها صاحبها، فإذا أكل أحدهم اموال شخص آخر، وتاب الى الله، فإن تلك التوبة غير مقبولة.
الله ـ تعالى ـ يحب الخير لعباده وخلق الجنة للناس قبل أن يخلقهم، وما من أحد يخلقه ربنا في هذه الحياة إلا ويبني له قصرا في الجنة، حتى الظلمة والمجرمين، ولكن حين يرتكبون المعاصي والظلم، يهب الله قصورهم للمؤمنين، {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، فالصالحون يرثون الفردوس من الطالحين.
كان شريك بن عبد الله النخعي من فقهاء القرن الثاني الهجري وكان معروفا بالزهد والعبادة والعلم، فرغب المهدي العباسي أن يوليه منصب القضاء وأنْ يعلّم أولاده فعرض عليه أن يوليه القضاء فرفض لأنه يعلم أن في ذلك إعانة للظالم وبعد فترة استدعاه المهدي العباسي وقال له:
لابدَّ أنْ تُجيبني إلى واحدة من ثلاث:
١) إما أنْ تحضر مائدتنا.
٢) إما أنْ تتولى قضاءنا.
٣) إما أنْ تعلّمَ أولادنا.
ففكر شريك النخعي وقال: “أخفهنَّ عَلَيَّ حضور مائدتكم”
فأمر المهدي العباسي القيِّم على الطبخ أنْ يُهيِّء ألوان الأطعمة الشهيَّة فلما صار يوم الدعوة وحضر شريك النخعي أعجبه الأكل فتناول منه الكثير فقال رئيس الطباخين: لن ينجو الشيخ بعد هذه الأكلة أبدا.
وفعلا لم تمضِ إلا فترة قليلة وقَبِلَ تولية القضاء وتعليم أولاد المهدي العباسي فقرَّر له راتبًا شهريًّا مقداره ألف درهم.
وفي أحد الشهور ذهب شريك القاضي إلى بيت المال لاستلام راتبه فوجد فيه درهمًا مغشوشًا فذهب إلى خازن بيت المال ودار بينه النزاع على تبديل ذلك الدرهم المغشوش بدرهم صحيح فقال له خازن بيت المال:
يا شريك إنك لم تبع بُرًّا فقال له شريك: لقد بعتُ ما هو أكبر من بيع البر لقد بعتُ دِيني.
إنّ العاقل هو من يضع في كل عمل يعمله النتيجة التي تعود إليه، فالعاقل لا يقوم بعمل يعرف أن نتيجته خطأ، ولذا فإن من يريد العواقب الخيّرة فإن عليه البدء بأعمال خيّرة.
- مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرسي (حفظه الله).