بعد معرفة الانتظار يجب علينا تمييز ومعرفة اولئك المنتظرون لتلك الطلعة النبوية الشريفة رغم صعوبة الزمان وقساوة الظروف التي نعيشها في هذا العصر الحضاري الرقمي الذي ذابت فيه القيم والمبادئ والعقائد تحت أحذية الطغاة، وطحنتها عجلة جيوشها العملاقة، وآلتها الحربية المدمرة للبلاد والعباد بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري كله.
واذا كان الثواب والأجر على قدر الصبر والثبات رغم القهر، وإذا كانت، افضل الأعمال احمزها، كما في الروايات الشريفة، فإننا في هذا العصر نمتاز على كل العصور بهذه الهجمة الشرسة وهذا العدو القوي الدجال الذي يحيط بنا ويمطرنا من كل حدب وصوب بأنواع البلايا والمصايب.
ولا ادري هل ينطبق علينا وصف رسول، صلى الله عليه وآله، لنا وتلهفه علينا في الرواية التي يقول فيها: “ياليتني قد لقيت اخواني، ثم قال: ولكن إخواني الذين ياتون من بعدكم يؤمنون بي ويحبوني وينصروني ويصدقوني وما رأوني فيا ليتني قد لقيت إخواني”.
وفي حديث طويل وجميل وهو عجيب غريب في بابه، أن النبي صلى الله عليه واله قال:
أتدرون ما غمي و في أي شيء تفكري و إلى أي شيء أشتاق؟
قال أصحابه : لا يا رسول الله ما علمنا بهذه من شيء أخبرنا بغمك و تفكرك و تشوقك.
قال النبي صلى الله عليه واله أخبركم إن شاء الله ثم تنفس و قال:
هاه شوقا إلى إخواني من بعدي.
فقال أبو ذر : يا رسول الله ألسنا إخوانك؟
قال: لا أنتم أصحابي و إخواني يجيئون من بعدي شأنهم شأن الأنبياء قوم يفرون من الآباء و الأمهات و من الإخوة و الأخوات و من القرابات كلهم ابتغاء مرضات الله يتركون المال لله و يذلون أنفسهم بالتواضع لله لا يرغبون في الشهوات و فضول الدنيا.
وقال النبي، لعلي، عليه السلام: “يا علي واعلم ان أعجب الناس إيمانا واعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد في بياض
هذه الثلة الطيبة، وهؤلاء المنتظرون لامر الله الصابرون على بلائه، والقابضون على دينهم على أحر من جمر الغضا”.
بالمقابل نرى التحديات الفكرية الهائلة التي تدفع ببعض الناس للارتداد عن دينهم، والتوجه نحو الإلحاد، ومن ثمّ إلقائهم في متاهات الفكر والعقيدة في ظل أجواء الظلم والجور والطغيان، وايضاً أجواء التطرف والظلامية من قطعان التكفير المجرمين، الذين ارتكبوا ابشع واشنع الجراثيم بحق الانسانية باسم الاسلام والدين، ليكونوا العامل الأكبر ـ بعد العامل السياسي- في زجّ شباب الأمة في متاهات اليأس والقلق والاضطراب والتشكيك من حاضرهم ومستقبلهم.
وكم هي الروايات التي تصف الكرام المنتظرون لصاحب الزمان، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، باوصاف جليلة ومعاني جزيلة مثل؛ كالمتشحط بدمه في سبيل الله، وكمن استشهد مع رسول الله، اوكان كمن هو مع القائم في فسطاطه، وهم خيرة الرجال في زمانه، رجال كان قلوبهم زبر الحديد لايشوبها شك في ذات الله أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لازالواها.
هذه الصفات لاصحاب وخواص الإمام الحجة عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، وغيرها من الصفات الراقية لأهل الايمان، جعلنا الله منهم وفيهم ومعهم يارب العالمين.
ولذا على المنتظر العمل لتحقيق الأمل، ولا يجلس في بيته منزويا في صومعته وينتظر المخلص ليخلصه، فعلى المنتظر ان يسعى ليكون من هذه الثلة الطيبة الطاهرة التي ستتصدى لقيادة العالم في دولة العلم والعدل العالمية والكونية.