سجلت السيدة زينب في شجاعتها العلوية، و موقفها وكلماتها في كربلاء، والكوفة، والشام، فخراً للاسلام، وعزاً للمسلمين، ومجداً خالداً للأسرة النبوية، ومن خلال عقلها و وعيها أكملت الثورة التي خطط لها الإمام الحسين، عليه السلام، فكانت خطبها واحتجاجاتها دليلاً على العقل الواعي والتفكير المنطقي السليم الذي أظهر الحق وأزهق الباطل.
فعندم وصل موكب سبايا اهل البيت، عليهم السلام، إلى الكوفة، يحيط بهم جنود ابن زياد، وقد خرج الناس للنظراليهم، خطبت السيدة زينب، عليها السلام، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فسكتوا، فقد مارست السيدة زينب، عليها السلام، حريتها بكل وعي و إدراك دون أن تضطرها الضغوط والشدائد أن تلين او تضعف او تتنازل عن مواقفها وقيمها الأصيلة.
مارست، عليها السلام، حرية الدعوة الى الإسلام، ونشر ثقافة الإصلاح والتهذيب ومحاربة الرذيلة والاستعباد، وكان اختيارها هو الطريق الأوحد دون أن تستكين او تستسلم للإرهاب والقتل الأموي وكانت حرة أبية في مواقفها من الظلم والطغيان.
إن الخط الزينبي لايزال موجوداً في قلوب نساء العقيدة، وفي قلوب الأمهات الطاهرات المؤمنات المقتديات بالعقيلة زينب، عليها السلام
سار ركب آل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، وهم يقطعون الفيافي والقفار متجهين إلى الشام، كان نشر رسالة النهضة الحسينية المهمة الأكبر للسيدة زينب، عليها السلام، لان سياسية التعتيم الاعلامي سياسة قديمة للامويين مارسها معاوية ومن بعده يزيد في أوساط الأمة، وبالذات أهل الشام، فقد ذكرت كتب التاريخ أن الجيش الأموي في رحلة السبي إلى الشام كان يصور للناس على امتداد الطريق أن ثورة الإمام الحسين، عليه السلام، هي ثورة خوارج بأرض العراق قام بقمعها ابن زياد، و اشاع يزيد هذا الافتراء عندما قال لزينب، عليها السلام، في مجلسه إنما خرج من الدين ابوك واخوك، فقالت له: “بدين أبي وأخي وجدي اهتديت انت وابوك وجدك إن كنت مسلماً”، وبذلك كشفت حقيقة هذا الافتراء أمام الناس وعرّت الامويين أمام الرأي العام، لذا وصفها المؤرخون بأنها سيدة جليلة ذات عقل راجح، و رأي، و فصاحة وبلاغة، وانها ثابتة الجنان رفيعة القدر، هذه النعوت مضافة إلى التقوى والايمان والصبر، جعلت زينب، عليها السلام، تؤدي الأمانة وتحفظ الرسالة، كما وحافظت على امتداد الإمامة المتجسدة في الإمام زين العابدين، عليه السلام.
لقد كانت، عقيلة بني هاشم، عليها السلام، جبلاً في وقوفها بوجه المحن والآلام التي واجهتها، ولم تلن في مواقفها طرفة عين، بل بقيت عقيلة لا أسيرة، و لم تغرها مفاتن الدنيا من مأكل دسم او ملبس ناعم او شهرة زائلة، بل آثرت طريق العفّة.
وحينما صبّ يزيد الأموال على نطاع من حرير خالص مفروش في مجلسه يريد تقديمها لأهل البيت، عليهم السلام، لتكون دية قتلاهم وعوضاً لأموالهم المنهوبة قائلاً: “خذوا هذه الاموال عوض ما أصابكم! ردت عليه العقيلة زينب، عليها السلام، مستنكرة ومستهجنة فعله بقولها: “ما أقل حياؤك و أصلف وجهك! تقتل أخي و أهل بيتي وتعطيني عوضهم”!
إن الخط الزينبي لايزال موجودا في قلوب نساء العقيدة، وفي قلوب الأمهات الطاهرات المؤمنات المقتديات بالعقيلة زينب، عليها السلام.
وقفت السيدة زينب، عليها السلام، على جسد أخيها الطاهر لتنير وسط هذه العتمة مصباح أمل وتزرع في صحراء الكراهية زهرة العقيدة.
السلام على السيدة زينب جبل الصبر.