تعيش الأسرة العراقية ضغوطاً مضاعفة بسبب الازمات والمشاكل المتراكمة وهو ما ينعكس سلباً على الحالات النفسية للابناء؛ ذكوراً وإناثاً، و تولد لديهم حالات نفسية سلبية منها؛ الغيرة.
فمن الملاحظ أن الأبوين، أو أحدهما، يسعى لتنمية شخصية الابناء داخل الأسرة وخارجها من خلال لفت الانتباه الى حالات نجاح لدى ابناء آخرين على أمل التحفيز لفعل الشيء نفسه، ولكن؛ وبشكل غير مباشر يدفعون بالابناء في مستنقع الغيرة.
هذه الحالة النفسية السلبية تنمو في نفوس الابناء، وعلى يد الأبوين بشكل غير مباشر، تأتي من طريقين:
الاول: عدم التساوي في الحب والمودة بين الأبناء، او تفضيل أحدهما بالمال او الهدايا، او حتى كلمات المجاملة لهذا دون ذاك.
الثاني: من أجل ان تعتمد الأم ـ تحديداً- على الابن الأكبر في حل المشاكل داخل وخارج البيت، توجهه لمحاسبة أخطاء الاخوة الصغار الذين ربما يكونوا من “المدللين” عند الأم والأب، فبدلاً من حل مشاكلهم ومساعدتهم فانه يبدأ بالغيرة منهم.
إن الغيرة تشتعل في كثير من العوائل والبيوت ليس فقط بين الابوين والابناء، وإنما بين الأخوال والأعمام، والعائلة، فهؤلاء لهم دور في تنمية حالة الغيرة بين الابناء، في حين بإمكان الكبار حل هذه المشكلة ببساطة، من خلال توزيع الحب والود والهدايا وكل شيء بين الابناء بالتساوي، مهما كان هذا شاطر في الدراسة، او ذاك في شيء آخر، أو هذا مطيع، وذاك مشاكس.
ويمكننا الاستفادة من قصة نبي الله يوسف مع إخوته في معالجة هذه الحالة النفسية، فمن البداية، علم نبي الله يعقوب بما في قلوب إخوة يوسف من الحسد والغيرة بسبب تفضيله على ابنائه الآخرين بالحب والحنان، فقال له: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً}، أما عن طريقة معالجة النبي يعقوب لغيرة الاولاد من يوسف، وايضاً من أخيه؛ بنيامين، فقد حثّهم على البحث عنهما: {يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}، فهو، عليه السلام، اراد أن ينمّي فيهم روح الايمان لتسمو وتتغلب على مشاعر الغيرة والحسد.
وقد أثمر هذا المسعى من الأب في ندم الإخوة أمام أخيهم يوسف في لحظة المواجهة والتعرف عليه بعد طول سنين، فقدموا الاعتذار والندم عنده وكان جواب نبي الله يوسف: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، وتكررت التوبة والندم والاعتذار من الاخوة الغيورين عند أبيهم لدى عودتهم ومعهم قميص يوسف ـ في القصة المعروفة – وقبول الاعتذار والتوبة منهم فقال: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.