يقول الإمام السجاد، عليه السلام: “اللَّهُمَّ أَنْتَ عُدَّتِي إِنْ حَزِنْتُ، وَأَنْتَ مُنْتَجَعِي إِنْ حُرِمْتُ، وَبِكَ اسْتِغَاثَتِي إِنْ كَرِثْتُ، وَعِنْدَكَ مِمَّا فَاتَ خَلَفٌ، وَلِمَا فَسَدَ صَلاحٌ، وَفِيمَا أَنْكَرْتَ تَغْيِيرٌ، فَامْنُنْ عَلَيَّ قَبْلَ الْبَلاءِ بِالْعَافِيَةِ، وَقَبْلَ الْطَّلَبِ بِالْجِدَةِ، وَقَبْلَ الضَّلالِ بِالرَّشَادِ، وَاكْفِنِي مَئُونَةَ مَعَرَّةِ الْعِبَادِ، وَهَبْ لِي أَمْنَ يَوْمِ الْمَعَادِ، وَامْنَحْنِي حُسْنَ الإِرْشَادِ“.
جاء في الحديث: يا عباد الله انتم كالمرضى، والله هو الطبيب، وصلاح المريض يعرفه الطبيب”.
نحن ـ كبشر ـ نظن اننا نعرف مصلحتنا، وأن ما نطلبه من الله ـ تعالى ـ هو الصحيح، فهناك ـ على سبيل المثال ـ من يطلب من الله أن يرزقه سيارة، وبعد ان يحصل عليها، يقع في حادث فيموت، وكان يظن ان سعادته تكمن في تلك السيارة، بينما كانت هي ختام حياته. ولذا حين يبلغ الإنسان المؤمن في إيمانه درجة، يصل الى حالة أنه لا يطلب من الله ـ سبحانه وتعالى ـ إلا ما يرى فيه مصلحة الباري ـ جل وعلا.
نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: “إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك: هذه بطحاء مكة تكون لك رضراضه ذهبا، قال: فنظر النبي صلى الله عليه وآله إلى السماء ثلاثا ثم قال: لا يا رب، ولكن أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك”.
نحن لا ندرِ ما يجري حولنا، لكن إذا سلمنا لله ـ سبحانه وتعالى ـ سنكون في راحة تامة، ويكون المدبّر هو الباري
إذا شبعنا دائما، فإننا ينسى ذكر الله، ونبطر، وعلى العكس، إذا افتقرنا نصاب باليأس والقنوط، ولذلك فإن الله ـ سبحانه وتعالى يداوينا، عن الإمام الباقر،عليه السلام: “قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي وعلو ارتفاعي لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شئ من أمر الدنيا إلا جعلت غناه في نفسه، وهمته في آخرته، وضمنت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر”.
ونقرأ في آية الكرسي: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
- الخير فيما اختاره الله
احدهم كان لديه فرس جميل، وفي إحدى المرات هرب هذا الفرس، فجاء جيرانه ليعزونه.
فقال: لعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ يجعل في ذلك خيرا!
وبعد أيام رجع الفرس ومع عدد الخيول، فجاؤوا ـ جيرانه ـ لمباركته.
فقال: لا تدرون لعل ذلك ابتلاء من الله.
في أحد الايام كان ابنه يربي الخيول الجديدة، فسقط من على ظهر احدها وكُسرت رجله.
فجاء الجيران ليواسونه؛ فقال الرجل: لعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ يجعل في ذلك خيرا.
بعد أيام وقعت حرب على البلد واُعلن النفير العام لخروج كل الشباب الى القتال؛ فجاؤوا لأخذ ابن الرجل، فوجدوه مكسورا، فتركوه.
نحن لا ندرِ ما يجري حولنا، لكن إذا سلمنا لله ـ سبحانه وتعالى ـ سنكون في راحة تامة، ويكون المدبّر هو الباري.
” اللَّهُمَّ أَنْتَ عُدَّتِي إِنْ حَزِنْتُ”، فحين يصاب الإنسان الى اين يتوجه؟
فهناك من الناس من يتناول الحبوب المهدئة، وهناك من يذهب امه، وآخر الى اصدقائه..، بينما المؤمن يتوجه الى الله ويدعو”اللَّهُمَّ أَنْتَ عُدَّتِي إِنْ حَزِنْتُ، وَأَنْتَ مُنْتَجَعِي إِنْ حُرِمْتُ”، كذلك حين يُحرَم المؤمن فإنه يتجه الى الكهف الحصين وهو الله ـ تعالى ـ .
“وَبِكَ اسْتِغَاثَتِي إِنْ كَرِثْتُ”، فحين يصاب المؤمن بكارثة يستعين ويستغيث بالله، “وَعِنْدَكَ مِمَّا فَاتَ خَلَفٌ”، فإذا مُنع المؤمن أو اصيب بنقص في شيء، فإن الله ـ تعالى ـ هو الذي يعوّض، فالأعمى ـ على سبيل المثال ـ صحيح؛ انه فَقَد بصره، لكنّ سمعه قوي، فالله عوضّه سمعا قويا، وهذا هو الإمتحان الحقيقي، أن يلجأ الإنسان المؤمن الى الله في حالة الشدائد.
- الفرج بعد الشدّة
كان هناك استاذ في الحوزة العلمية، يدعى المدرّس الأفغاني، وكان استاذا في اللغة العربية بجدارة، ودرّس الكثير من المراجع، وحين كانوا يتحدثون معه، كانوا يتكلمون بغير العربية، خوفا من ان يستشكل عليهم في اللغة العربية.
بداية مجيئة للدراسة في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، لم تكن الحوزة آنذاك بالشكل المطلوب من ناحية السكن وتوفير مستلزمات الطلاب.
لم يجد هذا الطالب مكانا للمبيت، فذهب الى مقبرة وادي السلام، ووجد غرفة هناك، فاتخذها سكنا له ينام فيها، أما أكله، فكان بقايا ما يتركه الزائرون.
يقول الاستاذ الافغاني: في ليلة من الليالي استيقظت وكنت عطشانا، فخرجت من الغرفة، وإذا بي أرى ماءً يجري، وكان نظيفا، فشربتُ منه.
إذا شبعنا دائما، فإننا ينسى ذكر الله، ونبطر، وعلى العكس، إذا افتقرنا نصاب باليأس والقنوط
بعد ان ارتويت، تساءلت: من أين يأتي هذا الماء؟!
فتتبعت الماء، وإذا بجماعة من الناس يغسلون ميتا، فالتقت الى قبة أمير المؤمنين، عليه السلام، وقال: يا ابا الحسن انا خادمكم، وأنا هنا لأدرس علومكم، فلم احصل على مكان لاسكن فيه! فسكت في المقبرة، ولم اتكلم.
ولم أجد أكلا، فأكلت من بواقي ما يرميه الناس في القمامة، ـ ايضا ـ لم اتكلم.
لكن هذا الماء الذي شربت منه نجس، فكيف جعلتني اشرب منه وان خادمكم؟!
يضيف الاستاذ الافغاني: قلت هذا الكلام بقلب مسكور وذهبت لانام، وفي اليوم التالي ذهبت لصلاة الصبح في حرم أمير المؤمنين، خلف أحد المراجع آنذاك، بعد أن اكملنا الصلاة، رأيت المرجع يبحث عن أحد، فالتف إليَّ وقال لي: اذهب معي الى البيت.
فقال لي المرجع: لماذا تشتكي علينا عند أمير المؤمنين، اخبرنا نحن ما عندك! بعدها تم اعطاء الاستاذ الافغاني حجرة في الحوزة.
“وفيما انكرت تغيير”، فإذا كنتُ ـ يا رب ـ تنكرت عن الطريق، فارجعني إليه، والتغيير بيدك.
ولذا فأيهما أحسن وأفضل؛ أن يشرب الإنسان ماء نجسا ثم يتطهر منه، أم من البداية عليه أن لا يشرب أبدا؟
ولذا يقل الإمام زين العابدين، عليه السلام:
“فَامْنُنْ عَلَيَّ قَبْلَ الْبَلاءِ بِالْعَافِيَةِ”.
“وَقَبْلَ الْطَّلَبِ بِالْجِدَةِ”.
“وَقَبْلَ الضَّلالِ بِالرَّشَادِ”.
“وَاكْفِنِي مَئُونَةَ مَعَرَّةِ الْعِبَادِ”.
“وَهَبْ لِي أَمْنَ يَوْمِ الْمَعَادِ”، ويبدو ان الإمام يطلب هذه الأمور بالترتيب، ونحن علينا أيضا ان نطلبها، فإذا لم نحصل على السابقة، فاللاحقة، والأهم هو أمن يوم المعاد.