-
مقدمة عقائدية
هناك مسائل لا يمكن لبشر، أو لإنسان أن يصل إليها بفكره لو تُرك عصوراً ودهوراً لأنه قاصر في نفسه، ومحدود في إمكانياته، وفي الزمان والمكان ومحكوم بالظروف والنزعات والشهوات والمصائب والبليات، فلا بدَّ له من دليل يدلُّه عليها وهي المسائل العقائدية والتي تتحدَّث عن عالم الغيب بكل ما فيه، ولهذا قال ربنا سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (سورة الإسراء: 15)
فكان أول مخلوق؛ نبي الله آدم، عليه السلام، ليكون على بينة من أمره ويُبيِّن لذريته عقائدهم، وأساس مهمة الأنبياء والرسل، عليهم السلام، هو في قول أمير المؤمنين، عليه السلام: “فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ“، هذه هي مهمة الأنبياء والمرسلين في البشر.
-
دولة الحق والعدل العالمية
نحن في عصر الحضارة الرقمية، والدولة الإلكترونية المضلّلة، والحكومة الفاسدة التي تسعى جهدها وجهادها في نشر الظلم والفساد في العالم بما لديها من إمكانيات هائلة في ذلك لا سيما إمبراطوريات الإعلام والإعلان التي تُفسد الأجيال وتتلاعب بالعقول وتدمِّر الشعوب وهي في بيوتها وغرف نومها، وهي الحرب الكونية الناعمة التي نشهدها ونعيش في أتونها ونحترق بلظاها ولا أحد ينتبه أو يعترف بل يتهمنا بالتخلف والرجعية وكل ظنه أن التقدم بالبهيمية والحيوانية.
فالأمر الطبيعي، والبديهي، والذي لا يحتاج إلى دليل وبرهان؛ أن الله سبحانه خلق هذا الخلق لهدف وليس عبثاً -حاشا لله- والهدف قطعاً ليس إبليس الذي لعنه وطرده من ساحة رحمته وأهبطه إلى هذه الدنيا، بل لآدم ونسله الذين يكونون مثله في الطهارة، وذلك لأنه نبي، وفي حديث الكساء المشهور والمعروف يقول رب العزة والجلال: “يا مَلائِكَتي وَيا سُكَّانَ سَماواتي إِنّي ما خَلَقتُ سَماءً مَبنَّيةً وَلا أرضاً مَدحيَّةً وَلا قَمَراً مُنيراً وَلا شَمساً مُضيِئةً وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجري وَلا فُلكاً يَسري إِلاّ في مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمسَةِ الَّذينَ هُم تَحتَ الكِساءِ”، فهم العلة الغائية للوجود، وهم أيضاً العلّة المبقية إذ أنه؛ “لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها”.
وفي حديث طويل لرسول الله، صلى الله عليه وآله، يُسلِّي فيه بضعته فاطمة ويُبشرها فيقول لها فيه: “يا فاطمة، والذي بعثني بالحق إن منهما –الحسن والحسين- مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وانقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقِّر كبيراً فيبعث الله عند ذلك منهما مَنْ يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً يقوم بالدِّين في آخر الزمان كما قمتُ به في آخر الزمان ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً).
نحن في عصر الحضارة الرقمية، والدولة الإلكترونية المُضلّلة، والحكومة الفاسدة التي تسعى جهدها وجهادها في نشر الظلم والفساد في العالم بما لديها من إمكانيات هائلة في ذلك لا سيما إمبراطوريات الإعلام والإعلان التي تُفسد الأجيال وتتلاعب بالعقول
ونحن نؤمن بالإمام المهدي، عليه السلام، عقائد كثيرة وليس عقيدة واحدة، فهو إمام مفترض الطاعة، وهو ابن رسول الله، صلى الله عليه وآله، من بضعته فاطمة وابن عمه أمير المؤمنين، عليه السلام، وهو من العترة التي أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وآله، بمحبتها، والتزامها في حديث الثقلين المتواتر، وهو من ذوي القربى الذين أمر الله بمودتهم وجعلها أجراً للرسالة كما في آية المودة، وهو القائد المدَّخر من الله لتطبيق شرع الله وتحكيم دين الله في الأرض، وهو الذخيرة الطاهرة من العترة الطاهرة لتمكين دين الإسلام ويظهر على الدِّين كله، وبالتالي هو الذي يُحقق حلم الأنبياء بقيام دولة الحق والعدل العالمية التي وعد الله بها في قوله سبحانه: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (سورة القصص: 6-7)
فعقيدتنا بالإمام المهدي، عليه السلام، لا تتزحزح ولو اجتمع علينا الإنس والجن و أرادوا أن يُشككونا في فكرته وعقيدته، و ولائه ومحبته والدعاء له وانتظاره إيجابياً لنكون فاعلين في تهيئة المقدمات لتسهيل ظهوره المقدس ولا نكون سلبيين ننتظره وعندما يظهر هو –روحي له الفداء- يعمل كل شيء ويُعطينا ما نحتاج، أو أن نكون كاليهود الذين يُحاولون إظهار الماشيح (المسيح) بالقوة بتعميم الفساد وتعبئة الأرض بكل أنواع الفساد والإفساد، حتى لا يبقى أحد نظيفاً وطاهراً وسليماً، عند ذلك يظهر! وكذلك يريدون أن يفرضوه على الله –والعياذ بالله– لأنهم يُريدونه يهودياً، ولذا إذا نظرتم بعين فاحصة إلى ما يجري في العالم اليوم ترونه ينبع من تلك العين التوراتية التلمودية المريضة بالتعصب والعنصرية والتي تفيض بكل أنواع الخبث، والدجل والفساد العالمي.
-
منهج العدل والقسط
عندما يقوم الإمام المهدي بنهضته العالمية، ويجمع الله له أنصاره ال (314) حيث يكونوا القادة والمساعدون في تلك الدولة العالمية، والتي ستكون عالمية بحق، و ردَّاً على العولمة الحالية التي لا تعني إلا الأمركة، وعولمة الفساد والانحلال الخُلقي، و لابدَّ لتلك الدولة بعظمتها ومساحتها وشمولها أن يكون لها دستور عام، وقانون شامل، لضبط حركة الحياة والأحياء فيها.
ذلك الدستور سيكون كلام الله وكتابه؛ القرآن الحكيم الذي سيأتي ومعه القرآن الذي جمعه جده أمير المؤمنين، عليه السلام، وكتبه بخطه الشريف، وتعليقاته من تفسير وتأويل وأحكام وناسخ ومنسوخ وعلوم مختلفة، كما أن القانون الحاكم سيكون شرع الله وحلاله وحرامه الذي جاء به رسول الله، صلى الله عليه وآله، لأنه؛ “حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة“، تلك الشريعة التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا ولله فيها حكم من الأحكام الخمسة، وما من جريمة إلا ولها عقاب حتى الجلدة ونصف الجلدة، وأرش الخدش البسيط فإن لله فيه حكم.
-
الحاكم الحكيم والقائد العظيم
تلك الدولة سيكون لها حاكم واحد فقط حكيم بكل ما في الكلمة من معنى ومبنى، لأنه معصوم من الله ومفترض الطاعة، فتكون الحكمة البشرية متمثلة فيه، ومَنْ يقرأ سيرة أجداه الأطهار من رسول الله، صلى الله عليه وآله، و أمير المؤمنين، عليه السلام، حتى والده الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، يعرف أن هذه السلسلة النورانية الذهبية كانوا أوتاد الأرض، وحجة الخالق على المخلوق، وهم القادة وهم السادة الذين اختارهم الله على علم على العالمين.
وكم جميلة وكريمة وعظيمة الروايات التي تتحدث عن الإمام المهدي –روحي له الفداء– حيث لدى المسلمين أكثر من ستة آلاف رواية تتحدث عن أحواله ودولته، وحكومته وصفاته النورانية الحكيمة، ففي حديث حذيفة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خدِّه الأيمن خالٌ كأنه كوكب دُريٌّ يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً يرضى في خلافته أهل الأرض وأهل السماء والطير في الجو”.
عقيدتنا بالإمام المهدي، عليه السلام، لا تتزحزح ولو اجتمع علينا الإنس والجن و أرادوا أن يُشككونا في فكرته وعقيدته، و ولائه ومحبته والدعاء له وانتظاره إيجابياً
نعم؛ يرضى به أهل الأرض لأنهم سيعيشون الرفاهيّة والرخاء في ظلّ الدولة المهدويّة، ويتمتعون بالحريات الكاملة، فيشعرون بالسعادة الغامرة لأنّ عصر الإمام المهديّ، عجل الله فرجه، هو ذلك العصر الّذي يصل فيه المجتمع الإنسانيّ إلى العدالة الاجتماعية، ومجتمع الغنى وعدم الحاجة، حيث تُمحى منه الطبقات الاجتماعيّة، وتتوزَّع الثروات ويُمحى الفقر عن وجه الأرض.
وكثيرة هي الأحاديث الشريفة التي تتحدَّث عن ذلك وتُبيّن مدى النعيم والرفاه والرخاء الّذي تحصل عليه الإنسانية في عصر الظهور وما يكون فيه من رغد العيش، ووفرة في المال، وسعة في الحال، وسعادة وهناء وراحة بال، فعن رسول الله، صلى الله عليه وآله، أنّه قال: “تصدّقوا، فيوشك الرجل يمشي بصدقته فيقول الّذي أُعطيها: لو جئتَ بها بالأمس قبلتها وأمّا الآن فلا حاجة لي فيها، فلا يجد مَنْ يقبلها“، أي أنه سينعدم مورد الصدقات الواجبة لأنها مشرَّعة للأقسام الثمانية وعندما ينعدم الفقر والحاجة والمسكنة فستتحول كلها لصالح الدولة وتقوم بمشاريع إنسانية تخدم المجتمع كله دون استثناء ويعود نفعها إلى العالم أجمع.
وعنه، صلى الله عليه وآله، أنّه قال: “يُرسِلُ السماء عليهم مدراراً، ولا تَدَّخِرُ الأرض من نباتها شيئاً، ويكون المال كدوساً، قال: يجيء الرجل إليه، فيقول: يا مهديّ أعطني أعطني، قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل“.
وعنه، صلى الله عليه وآله، أنّه قال: “تقيء الأرض أفلاذ كبدها، أمثَالَ الأسطوان من الذهب والفضّة، فيجيءُ القاتل فيقول: في هذا قتلْتُ، ويجيءُ القاطع فيقول: في هذا قطعتُ رحمي، ويجيءُ السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثمّ يدَعونه فلا يأخذون منه شيئاً“.
-
العدل في الحكم والقسط في المجتمع
فيمكن لنا أن نصفها بأنها دولة الحكم العادل، والقسط العام بين أفراد المجتمع، فلا ظلم ولا جور ولا حيف فيها، ولن يكون فيها مظلوميّة لأحد، حتى بين الحيوانات والوحوش والجوارح فكلها ستتدجن وتعيش بأمن وسلام واطمئنان كأنها في الجنان الوارفة الظلال، لأن الإمام المهديّ، هو خليفة الله في الأرض، والحاكم بالعدل، والداعي إلى سبيل الحقّ والقائم بالقسط، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً، وينتظره الناس لإزالة الهمّ والغم، ويكشف الكرب والبلوى، ويضع عنهم آصارهم كلها.
فبقيادته تقوم دولة العدل الإلهيّ ليعيش الناس بأمان واطمئنان ويشعروا بطعم الإيمان وحلاوة العدل الّذي يحقّقه الإمام، عجل الله فرجه، فعن أمير المؤمنين، عليه السلام، قال: “وتُخرج له الأرض -أي للمهديّ- أفاليذ كبدها وتلقي إليه سلماً مقاليدها، فيُريكم كيف عدل السيرة، ويُحيي ميت الكتاب والسنّة“.
فهذه الحكومة الربانية، والدولة العالمية هي أمل الشعوب في مستقبلها والإمام المهدي، عليه السلام، قائدها.