حدیث الناس

لا نبتعد عن الأربعين الحسيني

فيما أفواج المشاة تتوالى على كربلاء المقدسة، والمواكب الخدمية والعزائية تستمر في الاستعداد للزيارة، من نصب المواكب، وتجهيزها بمختلف الاحتياجات، والى جانبها الاجراءات الحكومية؛ من خدمية وأمنية وإدارية للسعي لإنجاح هذه الزيارة كما في السنوات الماضية، نسمع ونتابع على منصات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الاعلام إثارة ملفات سياسية وأمنية وحتى اقتصادية، كلها تتعاضد لجذب انتباه الناس وشدّ اهتمامهم في هذه الايام تحديداً، وقد بدأ المسلسل من اضطرابات الناصرية، واشعال النار في جسر الزيتون، ثم الحديث عن “سجاد العراقي” في الناصرية ايضاً؛ وتضارب الانباء عن اختطافه، او اختفائه، او مطاردته، وما صاحب ذلك من حديث مشحون ومتشنج عن جمع السلاح “غير المنضبط” وتحرك عسكري غريب ومثير للتساؤل باتجاه الناصرية بعشرات المدرعات وناقلات باتجاه منطقة بعينها دون سائر المناطق وهي ناحية “سيد دخيل”، وما جرى من لغط وتراشق بالاتهامات والتهديدات.

وفي الملف السياسي؛ تسريب وسائل اعلامية لقرار الولايات المتحدة بغلق سفارتها في بغداد بحجة انعدام الأمن واستمرار تعرضها لصواريخ الكاتيوشا من جهات معارضة للوجود الاميركي، والحديث الغريب والعجيب عن احتمال تعرّض العراق “لنكبة وانتكاسة، وانه سيدفع ثمناً باهضاً”!! والى جانب السياسة، يقف الاقتصاد متعاضداً لشدّ الاعصاب العراقية أكثر بتكرار الانذار مع قرب كل بداية شهر، بوجود صعوابت جديدة في السيولة لتوزيع الرواتب على الموظفين والمتقاعدين.

كل هذا يأتي بالتزامن مع أيام زيارة الاربعين، في حين إن الزيارات المليونية –ومنها الاربعين- التي انطلقت من بعد عام 2003 لم تخلو من أجواء الازمات الامنية والسياسية والاقتصادية، فبعد مسلسل التفجيرات الارهابية والتكفيرية، جاء دور الاستفزاز من الداخل، بأن الزائرين يتسببون بأزمات في مياه الشرب، والمجاري، وتخريب الممتلكات العامة!! ولكن! رغم كل ذلك، صمد الناس والزائرون في تمسكهم بهذه الزيارة على أنها قارب النجاة الوحيد للفلاح في الدينا والآخرة، أما الاصوات الأخرى فهي {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً}.

لا نعتب على من يضخم الاخبار والقضايا التي تهمّ أطراف دولية وأخرى اقليمية فقط، او يحاول أن يعلو بصوته فوق أصوات: “يا حسين” فهذا شأنهم والمهمة الملقاة على عاتقهم، إنما المسؤولية الرسالية ملقاة على عاتق الحسينيين، من طلبة حوزات علمية، وخطباء وأدباء وكتاب ومثقفين بأن يوحدوا كلمتهم وصوتهم حول زيارة الاربعين لتكون محل القطب من الرحا للمشاة من داخل العراق، ولمن ترنو نفوسهم وقلوبهم نحو كربلاء الحسين، ولم يسعفهم الحظ لأن يكونوا بين الزائرين هذا العام، و حتى هذا الفراق غير المتوقع والصادم بالنسبة للأخوة في ايران والخليج ولبنان وباكستان وسائر دول العالم، يجب ان يتحول الى موضوع –او اكثر- لنشر القضية الحسينية في العالم، وتكريسه في النفوس في تلك البلاد، وخلق اربعينيات متعددة في كل مكان، وربما يكون محاولة ناجحة لاستيعاب التطور الجديد الذي ألمّ بالعالم كله، وهو انتشار جائحة كورونا أو “كوفيد19”.

 

التحدي الكبير لكورونا في مراسيم عاشوراء هذا العام، يمثل مكسباً عظيماً في كل الابعاد، علينا أن لا نضيعه؛ اعلامياً، واجتماعياً، وثقافياً من خلال التأكيد على أن محورية زيارة  الاربعين

 

التحدي الكبير لكورونا في مراسيم عاشوراء هذا العام، يمثل مكسباً عظيماً في كل الابعاد، علينا أن لا نضيعه؛ اعلامياً، واجتماعياً، وثقافياً من خلال التأكيد على أن محورية زيارة  الاربعين، قارب النجاة لنا وللعالم أجمع مما يشكوه من تضليل، وتزييف، وفساد، واستبداد، وكل اشكال الانحراف السياسي والاقتصادي، فضلاً عما تتضمنه هذه الزيارة من دروس تربوية لافراد المجتمع.

لنلاحظ الغالبية العظمى ممن يأتون الى مرقد الامام الحسين سيراً على الاقدام، من نساء، ورجال، وأطفال، وشيوخ، وهو يحملون هموماً وحاجات في أنفسهم وأهليهم، من أمراض مستعصية، وعُسر في المعيشة، وغيرها، فهم يطلبون حلها من الامام الحسين، وليس من غيره، وهذا يدعونا لابعاد أي حديث جانبي من مثيرات التواصل الاجتماعي، والمواقع الخبرية العالمية عن الاذهان، فقد ترك الزائرون المشاة كل شيء من اجل المشاركة في زيارة الاربعين، فهذا ترك محل عمله، وذاك طلب إجازة من دائرته الحكومية، وتلك المرأة أجّلت اهتماماتها البيتية، وهم على يقين بأنهم كلما اقتربوا الى إمامهم وقدوتهم، في قلوبهم وأعمالهم، كانوا أسعد حظاً في الحياة، فمن هؤلاء نتعلم، ليس فقط الاصرار على الزيارة، وإنما التفرّغ الذهني الكامل لهذه المناسبة العظيمة، وعدم الانشغال بالضجيج هنا وهناك.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا