المرجع و الامة

علو الهمّة ودوره في بناء الشخصية الإيمانية

يقول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ* رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ * وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ}. (سورة إبراهيم/ 42).

الطير يحلق في السماء بجناحيه ويرتفع عاليا، كذلك الإنسان المؤمن، فإنه يحلق في سماءالإيمان بهمته، والهمّة يعني الطموح والتطلّع، وهي وسيلة الإنسان الى التقدم، والمؤمن همته عالية، لأنه أساسا مؤمن بقدرة الله، وفي فطرته ـ كما هي فطرة كل إنسان ـ البحث عن العلو والعتالي، وأمل المؤمن برحمته الله، وتوكله عليه، تكون بمثابة أجنحة تحلّق به إلى أعلى المراتب.

ولهذا تجد نبي الله إبراهيم، عليه السلام، كيف أنه دعا لنفسه ولذريته، ولأمته..، كذلك المؤمنون فإنهم يدعون الله تعالى، بما جاء من أدعية في القرآن الكريم، بالإضافة الى الأدعية المأثورة التي وردت عن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته الطاهرين، وتلك الأدعية تحمل تطلعات عظيمة، فهي تكرّس في الإنسان حب السمو والأمل فيه.

ومن صفات عباد الرحمن كما جاء في سورة الفرقان؛ {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً  أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً}، فالطموح العظيم في هذه الآية، والذي يعكس همة هؤلاء المؤمنين، فهم لا يرضون أن يكونوا في مستوى إيماني عادي كبقية الناس، بل يطموحون أن يصبحوا قادة الإيمان والتقوى في المجتمع.

 

المؤمنون لا يرضون أن يكونوا في مستوى إيماني عادي كبقية الناس، بل يطموحون أن يصبحوا قادة الإيمان والتقوى في المجتمع

 

وفي زيارة عاشوارء نجد هذه الهمة العالية، حيث نقرأ في سياقات هذه الزيارة هذا المضمون الرائع:

فَأَسْأَلُ الله الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ

وَرَزَقَنِي البَرائةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ

أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ

وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ

وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي المَقامَ المَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ الله.

وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِي مَعَ إِمامِ هُدىً ظاهِرٍ ناطِقٍ بِالحَقِّ مِنْكُمْ.

فهنا يسأل المؤمن أن يكون مع أهل البيت في الدنيا والآخرة، (فمعهم)، يعني التوفيق للحضور عند قبورهم، وأن تكون معهم نجهاً، أي اتباع سيرتهم في كل شيء، وهذا هو العيش معهم في افراحهم، والحزن معهم في حزنهم ..

ثم يأتي الطلب أن يبقى الإنسان المؤمن على الإستقامة في خطهم، والأهم من ذلك، هو بلوغ مقامهم المحمود لهم عند الله، وهذا بحد ذاته تطلع عظيم، ومن التطلع أيضا أن المؤمن يدعو أن يكون مع الإمام الظاهر، والناطق منهم، وأن يصل الإنسان لأن يكون في مصاف المدافعين عن آل الرسول، وعن ثارات الإمام الحسين عليه السلام، فهذا مقامٍ عالٍ.

 

  • ما هي مقومات التطلع؟

يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: ” مَن مات ولم يَغْزُ، ولم يُحَدِّثْ نفسَه بالغزو مات على شعبةٍ من النِّفاق”، وهذا يعني  أن على الإنسان المؤمن أن يكون متهيئا للدفاع عن الدين في أي لحظة، ولو تصورنا أن كل مؤمن يحدّث نفسه بهذا المعنى من الحديث الشريف، لرأينا الأمة الإسلامية عزيزة، ومستقلة.

 

اللّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمَماتِي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.
وهذا يعني أن نكون في مستوى حياتهم، وأن نسعى أن تنتهي حياتنا بأفضل ما يكون

 

أما الأمة الخاملة، فترى الإنسان فيها يعيش حياته بعيدا عن الإستعداد للتضحية عن قيَمه وكرامته! والله تعالى يأمرنا أن نكون على استعداد دائم يقول تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}، وهذا يعني أن نكون استعداد كامل للدفاع عن الدين.

وفي بعض فقرات زيارة عاشوراء نجد هذه الإلتفاتة والتبصرة، فنحن نسأل الله أن يرزقنا طلب ثأر الإمام الحسين، عليه السلام، وراية الإمام لا زالت ترفرف، وهي بحاجة الى رجال مؤمنين للدفاع عنها، فالإمام هو ثأر الله، والوتر الموتور. وهذه الميزة توصلنا إلى قوة المجتمع الإيماني.

والتطلع الآخر أيضا في سياقات هذه الزيارة، فنحن نقرأ:

اللّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمَماتِي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.

وهذا يعني أن نكون في مستوى حياتهم، وأن نسعى أن تنتهي حياتنا بأفضل ما يكون، وقوة الموالين لأهل البيت، عليهم السلام، لا تأتي من كثرة أسلحتهم، لكن القوة تأتي من شجاعتهم، وإقدامهم، وطلبهم للشهادة، فالمؤمن يجب ان تكون حياته ومماته، حياة وممات محمد وآل محمد صلوات الله عليهم، هذه التطلعات هي نابعة من الإيمان، لأن الإنسان كلما كان إيمانه بالله أقوى، كان توكله وأمله بالله أكثر، وبالتالي كان أقدر على السمو. فالهمة العالية، والتطلع السامي، وهو عنوان تقدم الإنسان في الحياة.

————————————

  • مقتبس من محاضرة للمرجع المدرسي بتاريخ 27ـ 8 ـ 2020.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا