قال تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}. (٣٣ الزخرف).
هل صرنا نُقيّم الآخرين حسب ما يملكون من مال أو أراضٍ جميلة أو مراكب فارهة و سريعة أو وجوه جميلة؟
إنها قيم مادية، ولكن؛ ماذا عن القيم السماوية التي جاءت لسعادة الانسان؟
المشكلة أننا حكّمنا القيم المادية الخاطئة التي صارت معيارنا لتقييم الناس مثل؛ المال، والسلطة، والشهرة، التي يعدها البعض الوسيلة الوحيدة لنيل السعادة في الحياة، وهي الغاية القصوى، وعليهم التمسك بها وتنميتها و العيش في ظلها لأنهم لا يؤمنون إيماناً حقيقياً من أعماق القلب، بأن هناك حياة أخرى (الآخرة)، حيث الحساب والكتاب، والثواب والعقاب، و تلك القيم الخاطئة تضر بالمجتمع و تعمل على تفكيكه و انحداره و تساهم في تعقيد الحياة و صعوبتها و هي لا تؤثر فقط بالماديّين، بل تؤثر في نفوس المؤمنين أيضاً.
” فلو لا الخوف من تحول المؤمنين إلى كافرين، لجعل (الله) الدنيا كلها للكافرين١”
إن أهم عمل لرسالة السماء هو تحطيم أطر القيم الخاطئة هذه، وبناء القيم الإنسانية الأصيلة كالتقوى، والعلم، الإيثار والتضحية، الشهامة والحلم على أنقاضها، وإلا فإن كل الإصلاحات ستكون فوقية وسطحية وغير ثابتة، وهذا هو الذي قام به الإسلام والقرآن والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله”.٢
عندما ننظر إلى الدنيا بالنظرة المادّية، سنعطي قيمة للآخرين حسب ما يملكون من مال أو أثاث أو جمال مظهر أو سيارات فارهة
فقد جعل الاسلام القيم السامية الوسيلة لأن ينتقل المجتمع من الجهل الى نور العلم والمعرفة، ومن الفقر، إلى الغنى، و من العيش على السرقة و السلب، إلى حياة العزّة و الكد و العمل المُنتِج و الخلاق.
عندما ننظر إلى الدنيا بالنظرة المادّية، سنعطي قيمة للآخرين حسب ما يملكون من مال أو أثاث أو جمال مظهر أو سيارات فارهة، وبنايات فخمة، لأن الدنيا بنظرنا تكون هي الغاية الأولى و الأخيرة، بينما الآخرة ستكون غائبة عن أذهاننا و لا نعمل لها و لا نستعد لها.
و لربما يكون أحدنا مؤمناً بالآخرة لكنه مُحب للدنيا و يعطيها الكثير من التقدير و الأهمية بحيث تصبح عنده بمرور الزمن هي المقياس لتقييم الآخرين، فيتحول هذا الرجل شيئاً فشيئاً من الإيمان إلى الكفر -بسبب تغير قناعاته- لذلك جاء التأكيد على أهمية الزهد في زخارف الدنيا و كمالياتها و الرغبة في الآخرة، لما له – أي الزهد- من أهمية في ارتباطنا بالآخرة و تذكيرنا بالهدف الأساسي الذي جئنا من أجله، و يبصرنا بحقيقة الدنيا و سرعة زوالها أو زوالنا عنها.
فيقول ربنا -جلّ و تعالى- أن زخارف الدنيا و مباهجها هي اختبار للمؤمنين، إذا أعطاهم منها فعليهم أن يشكروا و إذا لم يشكروا؛ فشلوا في الإختبار، و إذا أعطاها للكافرين فعلى المؤمنين أن يصبروا و يعلموا أن الجنة التي تنتظرهم أعظم بكثير من مباهج الدنيا و زخرفها الزائل سريعاً.
و كذلك في الآية آنفة الذكر يبدأ الكلام الإلهي عن أنّ أغلب المؤمنين لا يصبرون عندما يرون زخارف الدنيا عند الكافرين و يظنون أن الكافرين حصلوا عليها لأنهم الأفضل أو لأن الإيمان بالله يمنعهم من تلك الزخارف و الزينة فيتركون الإيمان و يتوجهون للكفر ليكون الناس كلهم أمة واحدة كافرة بالله تعبد الزخارف المادية و الصناعات البديعة المتطورة.
——————————-
- ١ تفسير من هدى القرآن.
- ٢ تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل.