قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

المسؤولية والأخلاق و الأسرة السعيدة
*سعد مغيمش الشمّري
تُعد الاسرة في الدين الاسلامي من الاسس المهمة في بناء المجتمع، هذه السنّة والقاعدة الانسانية وضعها البارئ عزّوجلّ منذ خلقه ابونا آدم عليه السلام عندما جعله على شكل أسرة ولم يبقه وحده فرداً في الجنة، جاء في الآية الكريمة: "وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة"، وهذه الاسرة هي التي ورثت الارض واقامت فيها من اجل ان تتحمل المسؤولية وهذا الدور العظيم ما نلاحظه في أسرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، كما نجد صوراً رائعة وساطعة في سيرة المعصومين والاولياء الصالحين، وكيف انهم حولوا أسرهم الى مجتمعات صغيرة تكوّنت منها هيكلية الأمة الاسلامية الكبيرة والعظيمة. بمعنى أننا امام مراحل لتكشيل وتأسيس المجتمع الصغير الناجح ألا وهو الأسرة، وذلك في ضوء السنة النبوية الشريفة وسيرة أهل البيت صلوات الله عليهم، من هذه المراحل؛ المسؤولية، والسلوك.
فقدان المسؤولية
كثير من الآباء والأمهات في مجتمعنا وكثير من المجتمعات يجهلون حجم المسؤولية الملقاة على عواتقهم، وبالتالي يتعاملون بعفوية مع ابنائهم، كما لو انهم يتصورون انهم يكبرون من تلقاء انفسهم ويكتسبون السلوك والعادات الجيدة دون ان يكلفوا انفسهم عناء التعليم والتوجيه، وهذا بالتأكيد لاينسجم مع ما يريده الاسلام من الابوين، وحتى لا ينسجم مع منطق العقل، لذا نرى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، والمسؤولية إزاء الانباء بمعنى متابعة كل تحركاتهم واوضاعهم النفسية والمادية، ربما يتصور ان المسؤولية تتجلى في توفير ما أمكن متطلبات الاولاد وما يريدونه من ملابس واثاث وهاتف نقال او دراجة او انترنت او غير ذلك من الامور التي ليست مرفوضة بالمطلق، إنما لابد من الموازنة بين حاجاته المادية وحاجاته المعنوية، فالاولاد ربما يطلبون شراء سيارة او أثاث من الدرجة الاولى او السفر الى مناطق بعيدة ومكلفة وغير ذلك، لكنهم بحاجة في نفس الوقت الى العاطفة والصفات الاخلاقية والقيم الاجتماعية مثل التعاون والتكافل والايثار. ان تطبّع الاولاد – ذكوراً وإناثاً- على تلبية مطالبهم حتى وان كان فيها ضررهم على المدى البعيد، يجعل من الصعب عليهم تقبل النصيحة في حال وقوعهم في الخطأ، فكل شيء لهم مباح وممكن، فلا اعتراف بالحدود والحواجز، وهذا ما يحذر منه الاسلام وايضاً سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم.
السلوك
ان كل حركة او تصرف يصدر امام الطفل الصغير يكون بمنزلة المسلك في حياته العملية، وهو ما يسمى (السلوك)، وهذا يستمر معه في مراحل نموه وتقدمه في العمر، فبعض التصرفات تتحول الى (عادة) أو تتحول الى (عُرف) أو بالنتيجة تكون سلوكاً في حياته العملية. صحيح انه سوف يمر بمرحلة (المراهقة) حيث التقلّبات النفسية، الا ان العادات والسلوكيات التي اكتسبها من الصغر لن تُمحى خلال هذه الفترة العابرة.
إذن، بامكان الاولاد تعلّم أشياء وأمور كثيرة منذ الصغر تعينهم في الكبر على بناء المجتمع وفق أسس صحيحة، وهذا ينجح من خلال اكتساب العادات والمحافظة على المعتقد الديني وانتقاله من اللآباء الى الابناء، وبامكان الآباء تكريس العادات الحسنة الى جانب الاخلاق الحميدة في نفوس الابناء واحترام التقاليد الاجتماعية التي تتوافق مع منطق الدين والانسانية، وفي نفس الوقت نبذ السلوكيات الخاطئة والتقاليد المستوردة المتعارضة مع اعراف المجتمع وهويته وتاريخه.
إن احترام رأي الابناء والبنات أمرٌ في غاية الأهمية لبناء شخصيتهم، حتى وإن اشتملت بعض تلكم الآراء أخطاء او قلة في الشفافية، لكن بشكل عام لابد من التشجيع والتقويم ايضاً وتقوية الشخصية والثقة بالنفس، وعدم إشعارهم بالخطأ الى حيث يجدون أنفسهم بحجم صغير وتافه ولا فائدة منه. لذا نجد الكثير من العلماء يعدون الاسرة بمنزلة الحكومة المصغرة، فاذا كانت (ديمقراطية)، فان الشعب فيها ينمو ويتقدم، وبالتالي يتطور في كل نواحي الحياة، لان الانسان عندما ينجب ابناء يريدهم ان يصلوا الى مستوى الرشد و الحكمة ومن اجل بناء المجتمع المتكامل، لهذا نجد ان الاسلام اكد على الاحترام المتبادل بين افراد الأسرة، بما يضمن سلامة الاسرة من خلال مناهجه التربوية بالمقابل نرى ان الذين يطالبون بتفكيك الاسرة وضياعها عاشوا في أسر منحلّه وتولدت عندهم امراض عديدة جعلتهم يفكرون في ان يصيب الآخرون ما اصابهم لذا فهم يرفضون القيم الاجتماعية والقوانين الاسرية.