الى الشاب.. لنتعلم ثقافة الأمل
|
*إعداد / ابراهيم عبد الحسين
مواقف و ظروف يمرّ بها الشاب في حياته، وربما نقول: أي شاب في مقتبل العمر لابد وانه يتعرض لموقف طارئ يهزّ كيانه ويشغل تفكيره، وهي قضية طبيعية وسنة الحياة، لاسيما وان مرحلة الشباب بالحقيقة تُعد النافذة الواسعة نحو الحياة، وعليه لابد للشاب من التعامل بكثير من الحذر والذكاء لاستيعاب تلكم الطوارئ وتحويلها الى سلّم نحو التقدم في حياته.
1- المرض
العافية ليست لباساً لا يُبلى، لأن بدن الانسان متشكل من لحم ودم وعظم، إذن فهو رقيق وحساس جداً ومعرّض دائماً للآلام والأمراض والأوبئة، وقد لا يجد اليائس أو المتشائم في المرض خيراً، فهو عنده سلب للعافية وتمزيق للباسها فقط. ولكنّنا ونحن نريد أن نعيش ثقافة الأمل، يمكن أن ننظر إلى المرض من زوايا أخرى، سواء من حيث استشعار لذّة العافية وقيمتها، والشكر لله تعالى على هذه النعمة التي توصف بأنّها مجهولة: (نعمتان مجهولتان: الصحّة والأمان)، واللجوء إليه تعالى في ساعات المرض والشدّة بوصفه المشافي المعافي، أو ان نستشعر بآلام المرضى في كل مكان فندعو لهم بالمأثور (اللّهمّ اشْفِ كُلّ مريض...). فضلاً عن تنبّهنا إلى ما يجنِّبنا الوقوع في المرض ثانية، بأن نرعى نعمة العافية حقّ الرعاية.
2- الخسارة المالية
وكما أنّ الحياة طُبِعَت على كدرٍ فليست صَفْواً كلّها، فكذلك ليس هناك أرباح على طول الخطّ، فحتى التجّار المحظوظون يحدّثونك عن بعض الخسائر التي تعرّضوا لها. ونحن كشباب لابدّ أن ننظر بعين الأمل إزاء أيّة خسارة مالية تنتابنا، فمقولة (في المال ولا في الرجال)، تعني أنّ الخسارة المادية يمكن تعويضها طالما أنّ السلامة البدنية والعقلية والنفسية سليمة، فهي بإمكانها أن تجلب مالاً آخر.
3- الرّسوب في الإمتحان
نحتاج في بعض الأحيان إلى الصدمة حتى ننتبه من غفلتنا، أي أنّنا نحتاج إلى رشقة الماء التي يرشّ بها وجه الغائب عن وعيه حتى يستفيق. وهذه الحالة شبيهة بحالنا كطلاّب، عندما نلهو عن دراستنا، ونقصِّر في أداء تكاليفنا وتنمية قدراتنا العلمية، فيصدمنا (الرسوب) ويخلّف أثراً نفسياً سيئاً علينا. ولكن، وحسب نظرتنا المتفائلة بالمستقبل، كيف يمكن أن ننظر إلى الرسوب؟
إنّ صدمة الفشل عنيفة لكنّها قادرة على أن تبعث الصّحو واليقظة فينا حتى لا نقع في دائرة الفشل ثانية.
إنّها صدمة.. لكنّها تعلّمنا قيمة النجاح وأثره على صحّتنا النفسيّة، ومردوده الإيجابي على أهلنا وذوينا وأصدقائنا ومحبِّينا.
4- فشل محاولات الزواج
يبتلى معظم الشباب بمشكلة عاطفية قبل ان يتذوقوا حلاوة الحياة الزوجية الكاملة، لذا نراهم يعلقون كل المحاولات والجولات على شروط صعبة في مقدمتها (الجمال) والمواصفات الظاهرية، أو ربما يدفعون الأهل لخيار خاص بهم ينظرون اليه بسطحية فيما ينظر اليه الآخرون من أهل الخبرة، بنظرة بعيدة، فيكون الاصرار على الفتاة التي ملأت عينيه او أسرت قلبه...! هنا عندما يحصل الفشل والاخفاق يحصل ايضاً الارتطام الشديد بصخرة الواقع المؤلم، لذا فان الشاب الواعي والناضج عليه ان يحمل الأمل في نفسه وليس مشاعر الحب العابرة والسطحية، وتكون نظرته الى البعيد حيث الأسرة الناجحة والمستقيمة، وهذا بحد ذاته ربح كبير يزيح كل آثار الخسارة التي يعتقد انه مُني بها من محاولة فاشلة في هذا الطريق.
5- اليُتم
لو لم يكن وقع اليُتم مؤلماً وقاسياً على نفسية اليتيم، لما دعانا الإسلام إلى رعاية مشاعره وتقدير الحالة التي هو فيها، "فأمّا اليَتِيمَ فلا تَقْهَر" (الضّحى/ 9).
لكنّ اذا نظرنا الى اليتم من زاوية إيجابية نرى انه قد يصنع شخصيات ناجحة قويّة تعتمد على نفسها، ولا تتكل على سند أبويّ أو أموميّ، كما أنّه يُرهف مشاعر اليتيم بحيث يتحسّس آلام ومشاعر اليتامى حتى الذين لا يعرفهم.
صحيح ان اليتم يُعد جرحاً نفسياً في قلب من يفقد أحد أبويه او كلاهما، لاسيما في مقتبل العمر، لكن روح الأمل وقوة النفس تقهر اليأس وتدفع بالانسان ليشقّ طريقه في الحياة، ولاننسى ان نبينا الأكرم كان يتيم الابوين، وقد بلغ مرحلة الفتوة والشباب ولم يكن لديه أب ولا أم، لكن كانت لديه العزيمة والثقة العالية بالنفس جعلته يكون محط أنظار الجميع في مكّة آنذاك وان يكسب احترامهم وفي مقدمة كل أولئك السيدة خديجة التي كانت بالنسبة اليه الفرصة الاولى والتاريخية لأن يثبت نجاحه في الحياة، وهكذا حصل فكسب النجاح في العمل التجاري كما كسب زوجة مؤمنة وعظيمة تُعد اليوم من خيرة القدوات لنسائنا.
6- موت عزيز
إذا مات أحد أعزّائك، سيحزن قلبك ويتصدّع وتدمع العين، فتعيش الأسى والأسف والحسرة عليه أو لفراقه على حسب ما كانت تربطك به من علاقة حبّ وقُرْب وعشرة.
لكن هل موت العزيز – مهما كانت درجة القُرْب منه – موتٌ للأمل؟ كلا... أبداً.
إنّه دليلٌ على أن لا يدوم خليلٌ، وهو دليلٌ على أنّك ميِّت وكلّ الناس ميِّتون، و"إنّا لله وإنّا إليه راجعون".
فعندما مات إبراهيم ابن النبي محمّد (ص)، قال (ص): (إنّ العين لتدمع والقلب يتوجّع، ولا نقول ما يُغضِبُ الربّ) أي إنّنا نتعامل مع الموت على أنّه حقّ وأنّه مصير كلّ كائن حيّ، ولا يبقى غير وجه الله، ولا يخرجنا موت العزيز عن طورنا فنبدو وكأنّنا نعاتب الله!!
7- فقدان فرصة العمل
فجأة ومن دون سابق إنذار أحياناً يأتي صاحب العمل ويقول لك بأنّ هذا هو آخر يوم أو آخر أسبوع في عملكَ عنده!
ردّة فعلكَ – في الغالب – تكون شديدة إزاء ما قد تتصوّره من بطالة ربّما يطول أجلها فينقطع رزقك إلى حين، ومجرّبٌ ومنصفٌ مَن قال: (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، لكن هذا لا يعني كل شيء بأي حال من الاحوال، فسوق العمل – كما يجب أن نستحضره دائماً – ليست على وتيرة واحدة، فالظروف التي أدت بصاحب العمل الى الاستغناء عنك قد تتغير ويتغير موقف صاحب العمل معها قطعاً، ثم ان أرض الله واسعة، والأمل الكبير هو الرأسمال الضخم والمتين الذي ينفذ في عالم التجارة وفرص العمل.
بلغة الأمل غير البعيدة عن الواقع يمكن القول: (رُبّ ضارّة نافعة)، فقد يفتح الله تعالى لكَ باباً للرِّزق أوسع من هذا الذي حُرمتَه، وقد تجد أن من الصعوبة ان تغير عملك، لكنك إذا جرّبتَ فقد يفتح العمل الجديد رزقاً أوفر وفرصةً للتطوّر والنموّ أكثر.
هذه هي النظرة التي يحملها الأمل على جناحيه ليبشِّر بها القانطين والمحبطين. إنّها تغوص في أعماق الأشياء والأحداث لترى أبعادها المختلفة، ولا تقف عند السطح. وإلا فإنّ الإستغراق في الهموم والمشاكل، وترديد المقولات اليائسة: (لا جدوى).. (لا أمل).. (لا فائدة).. (جرّبت ولم ينفع)، وغير ذلك كلّها مثبّطات ومحبطات وقاتلات لروح الأمل. ولأمير المؤمنين عليه السلام، أحاديث مضيئة وبليغة في ذمّ اليأس والانطلاق بروح الأمل: يقول: (أعظم البلاء انقطاع الرجاء). ومن خطبة له عليه السلام في (نهج البلاغة) يصف المنافقين: (حسدة الرخاء، ومؤكدوا البلاء، ومقنطوا الرجاء...). وفي حديث آخر في (نهج البلاغة) عن حالة من أدبرت عليه الدنيا: (لا تيأسوا من مدبر، فان المدبر عسى أن تزلّ به إحدى قائمتيه، وتثبت الاخرى فترجعا حتى تثبتا جميعاً...).
|
|