قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

حساب النتائج والعاقبة الحسنى
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *يونس الموسوي
أروع مثل يمكن أن يضربه أبونا آدم (عليه السلام) لإبنه شيث، بل للانسانية كافة هو النظر في النتائج، فما من رجل نظر في عاقبة أمره، وصحح طريق مسيره إلا كان النجاح من نصيبه والموفقية عاقبته، وهذا هو ما أوصى به آدم (عليه السلام) إبنه شيث فقال: (إذا عزمتم على أمر فانظروا إلى عواقبه، فإني لو نظرت في عاقبة أمري لم يصبن ما أصابني) بحارالانوار، 78، ص453.
إن خلاصة حياة أبينا آدم (عليه السلام) هي هذه التجربة المرة التي عاشها حيث أُخرج من الجنة مطروداً إلى الأرض يعيش فيها عيشة الكادح بعد نعيم و رخاء في الجنة، إنه يعلمنا الدرس الذي استفاده منه بنفسه، و هو أن ننظر (في النتائج).
وقضية النتائج أو العواقب يمكن دراستها من اتجاهين: على صعيد الفرد وعلى صعيد المجتمع، لكن هنا سنركز على الجانب الاجتماعي وذلك من أجل تحقيق استفادة أكبر فضلاً عن أن هناك تشابهاً بين الأمرين مما يكون مفيداً بالنسبة إلى الجانبين معاً.
فإذا قلنا: أحد شروط نجاح العمل الاسلامي هو النظر في عواقب الأعمال فإن هذا الأمر ينطبق أيضاً على الأعمال الفردية التي يقوم بها الإنسان لمصالحه الفردية.
فلايكفي أن يكون العمل حسناً حتى يكون القيام به مفيداً، بل لابد أن تأخذ بالحسبان نتائج ذلك العمل حتى تعرف حسنه من سوءه، فعلى سبيل المثال نأخذ قرار العفو عن المعتقلين وهو قرار حسن بحد ذاته، ذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الرحيم والعافي عن عباده ويدعو عباده أن يتعاملوا بالصفح والعفو، لكن إتخاذ قرار العفو بحق المجرم أو من فعل قبيحاً يجب أن يكون منوطاً بنتائج هذا العفو فردياً واجتماعياً، فنتساءل ونقول: هل يكون العفو عن المجرمين مفيداً لحياة الأمة، بحيث أنه يكرس الأمن والاستقرار في البلد، أم انه يؤدي الى العكس من كل ذلك؟
قرار العفو هو بحد ذاته قرار إيجابي ولكنه يمكن أن يتحول إلى قرار سلبي إذا كانت نتائجه وخيمة على الأمة، فأنت تعفو عن الإنسان التائب والنادم على فعلته النكراء، أما الذي لم يتب ويريد العودة إلى أعماله السابقة حين تتوفر لديه الفرصة، فأن العفو عنه تُعد جريمة وليس فيه أي منحى إيجابي، لأن هذا الذي ستعفو عنه سيقوم بأعمال إجرامية لو كان قادراً على فعلها حتى لو كان في السجن، لكنك عفوت عنه وسهلت له القيام بأعمال الإجرام، فقرار العفو هذا قرار طائش وضرره أكثر من نفعه.
من هنا نجد أن أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم يؤكدون علينا قبل الاقدام على الخطوة الأولى في أعمالنا الشخصية أو الخيرية والجماعية بأن ندرس عواقب هذه الخطوة والنتائج المترتبة عليها.
جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يا رسول الله أوصيني؟ فقال له: فهل أنت مستوص إن أوصيتك؟ حتى قال ذلك ثلاثاً في كلها يقول الرجل: نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله: فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمرٍ فتدبر عاقبته، فإن يك رشداً فامضه، وإن يك غياً فانته عنه. (بحارالانوار، ج71، ص339).
ولو سألنا اليوم أحد السياسيين عن نوعية القرارات والمواقف التي يتخذها، سيقول: (أهدافنا وطنية وغايتنا خدمة الأمة)، وربما يكون صادقاً فيما يقول، لكننا عندما نسأله أنه لو عاد به الزمن إلى الوراء هل كان سيتخذ نفس النهج ونفس القرارات والأعمال التي قام بها خلال الفترة الماضية؟ سيقول كلا! بل كنت سأغير موقفي في القضية الفلانية، وكنت سأعمل كذا في المسألة الفلانية، وكنت سأتجه إتجاهاً آخر إذا عاد بي الزمن إلى الوراء.
الأعمال والمواقف والقرارت التي تبناها هذا الرجل قبل عدة أعوام كان يظنها مواقف وقرارات وأفعال وطنية ولكنه عرف بعد تلك المدة، إن نفس تلك القرارات والمواقف هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من الانقسام والتشرذم والتفكك.
المشكلة هي: إننا عندما تبنينا النهج الفلاني لم نأخذ بنظر الاعتبار النتائج، فعلى سبيل المثال كل السياسيين اليوم يلعنون المحاصصة الطائفية والقومية وأنها هي التي أججت نيران الطائفية والفئوية بين فئات الشعب العراقي ونجد أن أكثر الأشخاص لعناً لهذه المحاصصة هم أنفسهم الذين شاركوا في صنعها وصياغتها وتنفيذها على أرض الواقع، واللطيف أن الوزير الذي حصل على منصبه نتيجة للمحاصصة يخرج عبر الاعلام ليسبها ويشتمها!
ولانستبعد أن يكون مشروع المحاصصة هو مشروع مستورد ومفروض على السياسيين وعلى الشعب العراقي، لكن العراقي الذي شارك في صياغته وتنفيذه على أرض الواقع لايملك التبرير الكافي للوقوع في مثل هذا الخطأ، لأنه كان يتوجب عليه مسبقاً دراسة نتائج مثل هذه الخطوة وعواقبها الوخيمة.
ولو تدبرنا في أحاديث أهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم) وهي التي تتحدث عن أوضاع الأفراد والجماعات الذين لاينظرون ولايدرسون في عواقب الأمور سنجد أن تلك الأحاديث وكأنها تصف حالنا في القرن الحادي والعشرين، فهذا أمير البلغاء و سيد الحكماء علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: (من تورط في الأمور بغير نظر في العواقب فقد تعرض للنوائب)، وقال (عليه السلام) أيضاً: (التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم)، وقال (عليه السلام) أيضاً: (إذا لوحت الفكر في أفعالك حسنت عواقبك في كل أمر). وقال (عليه السلام) أيضاً: (أعقل الناس، أنظر هم في العواقب)، وهنالك الكثير من الاحاديث في هذا المجال نتركها لمن يرغب بمراجعة كتب الحديث والسيرة العطرة لأهل البيت (ع).