المغالاة في الصحابة، ما أنزل الله بها من سلطان
|
*طاهر القزويني
تتسم النظرة العامة للمسلمين كافة بالنسبة إلى صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالموضوعية وذلك أنهم احتسبوا لهم فضلهم في الأسبقية بالاسلام والايمان والجهاد، ولم يلصقوا بهم من الصفات ما لايصلح لهم من العصمة أو الاتصال بالوحي وغير ذلك من الغلو.
لكن هناك فئة من المسلمين خرجت في آرائها ومواقفها عن إجماع المسلمين، وأخذت تلصق بالصحابة صفات وكرامات هي ليست لهم، واتجهت في مدحهم وتفضيلهم إلى درجة (القول بعصمتهم) عملاً وليس لفظاً، بمعنى أنهم ينكرون على كل مسلم القول بأخطاء أو ذنوب الصحابة، فمن قال بتخطيئ الصحابة فإنه كافر وخارج عن الملة!
وهم بهذا الشكل يعتقدون بعصمة الصحابة دون أن يعترفوا بذلك صراحة، لأن السؤال المشروع الذي لايجدون له جواباً هو: كيف لا تقولون بعصمة الصحابة صراحةً وفي نفس الوقت لاترضون بكلام من يخطأهم؟ وإذا كنتم حقاً لاتعتقدون بعصمة الصحابة فلماذا تكفرون من يخطأهم؟
المشكلة أن الجماعة مبتلية بعدد من التناقضات التي لاحصر لها، ولاتستطيع حتى الإجابة عليها، فهم من جهة لايقولون بعصمة الصحابة، ومن جهة ثانية يرفضون أي نقد لهم، ويعدون النقد هتكاً لحرمتهم وكرامتهم، ومن ثم هم أغلقوا على أنفسهم وفكرهم أي نوع من الدراسة الموضوعية والعلمية للتاريخ، لأنهم جعلوا هذه الأقفال على الحقائق التاريخية، فاشتدت بهم التناقضات إلى الحد الذي أخرجتهم عن الموضوعية العقلية، فصار أحدهم يقول: (قاتل سيدنا معاوية، سيدنا علي)! وهكذا الكثير من هذه التناقضات التي وصلت إلى أعماق فكرهم وعقيدتهم.
إن الاعتراض على تخطئة الصحابة، منهج يستبطن القول بعصمتهم، وهذه هي المغالاة التي يرفضها الدين ويستنكرها القرآن الكريم، ولاشك أن الكتاب المقدس تحدث في آيات عن هذا الموضوع وأشار في عشرات من الآيات عن أحوال الصحابة وكيف كانوا يعاملون الرسول الأكرم (ص) وكيف كانت سلوكياتهم في الحرب، وكيف كانت أخلاقياتهم الإجتماعية والكثير الكثير من الموضوعات التي مسّت حال الصحابة، حيث بيّن القرآن الكريم موقف الاسلام تجاه تلك السلوكيات، ونحن هنا لسنا بصدد فتح هذا الباب، ولمن يريد بامكانه مراجعة الآيات القرآنية التي تخاطب المؤمنين خاصة والمسلمين كافة فقد نزلت معظمها حسب أسباب النزول بحق الصحابة، وقد أظهرت تلك الآيات في أماكن، فضلهم ومنزلتهم، وفي أماكن أخرى أخطاءهم وذنوبهم، حتى نجد في احدى الآيات أن الله عزوجل يلعن بعضهم وهم الذين "آذوا الرسول".
سندع هذا الجانب ونتجه إلى حقائق التاريخ وندرس بشكل علمي مواقف الصحابة تجاه بعضهم البعض وكيف كان أحدهم يقيّم الآخر.. ونحن مهما بالغنا بمعرفة الصحابة فإننا لن نعرفهم أكثر من معرفة بعضهم بالآخر، ولن يكون هناك غير التاريخ أفضل معرّف لهم.
وهناك مواقف كثيرة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد سجلها التاريخ بأحرف واضحة بحيث تكشف العمى عن بعض الناس الذين لايريدون أن يروا النور المبين.
ونلاحظ في مواقف الصحابة تجاه بعضهم الآخر إنهم كانوا يخطئون بعضهم بعضاً بل يتهمونهم في مالهم وحلالهم، فهذا عمر بن الخطاب وقد نصّب العمال والولاة ليديروا شؤون المسلمين، لكنه بعد مدة يلاحظ أن هؤلاء العمال قد أثروا وجمعوا أموالاً طائلة من عملهم فاتهمهم عمر في ذلك واسترجع الكثير من أموالهم وإليكم بعض تلك الروايات والقصص.
في رواية في كتاب (العقد الفريد، ج1، ص13) نجد أن عمربن الخطاب، كان شديداً مع أبي هريرة إذ يصفه بـ (عدو الله)! واليكم الرواية:
وفي حديث أبي هريرة، قال: لما عزلني عمر عن البحرين قال لي: يا عدو الله وعدو كتابه، سرقت مال الله؟ قال: فقلت: ما أنا عدو ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما، ما سرقت مال الله، قال: فمن أين لك عشرة آلاف؟! قلت: خيل تناجت، وعطايا تلاحقت وسهام تتابعت قال: فقبضها مني. فلما صلّيت الصبح، استغفرت لأميرالمؤمنين. فقال لي بعد ذلك: ألا تعمل؟ قلت: لا قال: قد عمل من هو خير منك، يوسف صلوات الله عليه قلت: إن يوسف نبي وابن نبي وأنا ابن اميمة، أخشى أن يشتم عرضي ويضرب ظهري وينزع مالي. وقيل في رواية أخرى من نفس الكتاب أن عمر أخذ ماله وضربه بالدرة حتى أدماه!
هنا لانريد أن نحكم على أيهما كان محقاً، إلا إن الغرض هو تبيان عدم عصمة الصحابة وان الواحد منهم كان يتهم الآخر حتى أنه حدث أنه لما ولي عثمان بن عفان الأمر أراد إعادة بعض الأموال التي إقتطعها عمربن الخطاب اعتقاداً منه أن عمر لم يكن على صواب وقد ورد ذلك في هذه القصة:
لما ولىّ عمر بن الخطاب عتبة بن أبي سفيان الطائف وصدقاتها ثم عزله، تلقاه في بعض الطريق، فوجد معه ثلاثين ألفاً، فقال: أنّى لك هذا؟ قال: والله ما هو لك ولا للمسلمين، ولكنه مال خرجت به لضيعة أشتريها فقال عمر: عاملنا وجدنا معه مالاً، ما سبيله إلاّ بيت المال، ورفعه. فلما ولىّ عثمان قال لعتبة: هل لك في هذا المال فإني لم أر لأخذ إبن الخطاب فيه وجهاً! قال: والله إن بنا إليه لحاجة، ولكن لاترد على من قبلك فيرد عليك من بعدك. (العقد الفريد الجزء الأول، ص14).
والآن نتساءل ونقول هل كان عمربن الخطاب مصيباً في اتهامه لصحابة الرسول بأخذ مال المسلمين، أم كان مخطأً في ذلك؟ ولماذا أراد عثمان بن عفان إعادة أموال عتبة بن أبي سفيان؟ أليس في موقفه هذا تخطئة لعمر بن الخطاب؟
16
|
|